‫الرئيسية‬ طريق الحقيقة أبو إلياس – طريق الحقيقة رقم 2

أبو إلياس – طريق الحقيقة رقم 2

طريق الحقيقة رقم -2-

مفهوم الانفصال وأثره المدمر على إنسان الشرق الأوسط في صراعه مع الواقع والعصر وحركة التطور.

انطلقت من دراستي لهذا البحث عن مفهوم الانفصال بالرجوع إلى تراثنا الثقافي علني أرى فيه ما يساعدني على فهم الواقع الذي حل بنا من مفهوم الانفصال.

ولدى دراستي للتراث الإنساني الثقافي التاريخي وجدت أن التاريخ البشري ينقسم إلى مراحل: عصر مضى وعصر حل محله. وتبين لي أن الذي يميز مرحلة عن أخرى تغيير عاملين مهمين: 1- تغيير اللغة 2- تغيير الأدوات.

إن لكل عصر لغته وأدواته. وهنا تظهر حالة من التناقض بين الأدوات واللغة. إذا تغيرت الأدوات ولم تتغير اللغة تصبح اللغة عاملاً كابحاً لحركة التطور.والتطور يعني التغير والتبدل وظهور حالة نوعية والانتقال إلى مرحلة أخرى مختلفة في اللغة والأدوات وإن عدم انتقال المجتمع إلى حالة جديدة بأدواته سببه عدم تطور لغة ذلك المجتمع وتحول مفاهيم تلك اللغة إلى أصنام للعبادة .

واقعنا في الشرق الأوسط:

يضم الشرق الأوسط أربع أمم: العربية والفارسية والتركية والكردية متحدة في الجغرافية وفي التاريخ والثقافة، لا انفصال بينها بحكم قوانين الواقع. ونحن الأمم الأربعة مصنفين دولياً ضمن شعوب العالم الثالث المتخلفة.

متخلفين عن روح العصر. هذا التخلف يشمل كافة النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

أمم أربع تعيش خارج العصر. ترى لماذا نحن متخلفون؟ وهل ولدنا لنكون متخلفين؟ وهل يمكن أن ننتقل من حالة التخلف إلى حالة التطور؟

البحث عن أسباب التخلف:

ترى لماذا اخترت مفهوم الانفصال لأنطلق في بحثي لتفسير واقعنا المتخلف بغية إظهار الحقيقة ، من هنا بدأت . فلدى دراستي لماضينا الثقافي والتاريخي تبين لي أن وضعاً مشابهاً قد نشأ عندما قام محمد صلى الله عليه وسلم بنشر رسالة الإسلام بين الناس اصطدم بواقع عبادة الأصنام. تلك الأصنام التي كانت مصنوعة من مواد طبيعية بأشكال مختلفة وترمز لآلهة متعددة. في ذلك الزمن كان المجتمع قائماً على العلاقات المادية والروحية للمجتمع العبودي، ورسالة النبي صلى الله عليه وسلم كانت مناقضة لمبادئ وعقائد المجتمع العبودي. فبدلاً من تعدد الآلهة، إله واحد لم يلد ولم يولد ولا شريك له، لا تراه العين. وبدلاً من العبودية علاقة السيد والعبد. دعا الرسول إلى الأخوة والمساواة داعياً إلى الإيمان بالله تعالى وحده والتآخي بين الناس “إنما المؤمنون أخوة” وإن الله الواحد القاهر هو خالق الكون وهو الذي يحيي ويميت ويقسم الأرزاق .

قال النبي للناس:” إن هذه الأصنام التي تعبدونها لا تنفعكم ولا تضركم فإذا كنتم تعانون من الجهل والفقر فإن سبب ذلك كله هو عبادتكم لهذه الأصنام”.

وخاطب الناس قائلاً: “يأيها الناس إنكم أمام طريقين: إما الاستمرار في عبادة هذه الأصنام وجزاؤكم التخلف وبقاء الحالة العبودية وإما تحطيم هذه الأصنام التي تعبدونها وتنتقلون بذلك من عصر العبودية بكل أشكالها إلى عصر الأخوة والمساواة والعدالة ويكون نصيبكم التطور والتقدم”.

وأجاب الناس محمداً صلى الله عليه وسلم: كيف تقول هذا يا محمد عن أصنامنا وقد كان آباؤنا يعبدونها؟

وهكذا نشأت حالة من الصراع بين رؤيتين لقراءة التاريخ: قراءة محمد صلى الله عليه وسلم وكان وحيداً. وقراءة الناس وكانوا كثر. ولم يمض وقت طويل حتى تحولت قراءة النبي محمد صلى الله عليه وسلم الوحيد إلى الكثير من الناس والكثرة إلى قلة.

ترى لماذا حدث هذا التحول في العدد؟ والجواب: إنها الحقيقة.

وعندما درست هذا التحول وبعمق وجدت أن الناس في ذلك الزمن يطلقون على كبير الأصنام إله الآلهة ثم تطور هذا المفهوم إلى ملك الملوك .

والآن أعتقد أن القارئ يستطيع أن يدرك لماذا اخترت مفهوم الانفصال.

فالانفصال يمثل في عصرنا هذا كبير الآلهة.. كبير الأصنام إن كل ممارستنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية هي من صنع ذلك الصنم. إن واقعنا الحالي المتخلف هو من صنع فلسفة هذا الصنم.

وقبل السير في الطريق للكشف عن الحقيقة لا بد من السؤال:

هل كان بإمكان النبي محمد صلى الله عليه وسلم أن ينهي مرحلة العبودية بدون تحطيم أصنامه؟

وهنا أترك الجواب لدارسي التاريخ علهم يتأكدوا كما تأكدت.

لقد تبين لي أن لكل عصر أصنامه المقدسة. وعندما يتحول الأمر إلى قداسة يقع الخطر الجسيم على المجتمع. صنم الانفصال.

الإنسان والفرد والمجتمع والتاريخ:

يولد الإنسان فرداً متميزاً عن غيره بكافة خصائصه البيولوجية والسيكولوجية والأنتربولوجية ولكنه اجتماعي لا يستطيع أن يعيش بدون مجتمع. وبين ولادته وفنائه يحتاج إلى عوامل أربعة: المأكل والملبس والمسكن والحرية. يؤمن حاجاته المادية الضرورية لحياته من الطبيعة. ولكن الطبيعة لا تعطيه هذه الحاجات جاهزة. يدخل في صراع مع الطبيعة لإنتاج هذه الضرورات. ولكن صراعه مع الطبيعة في عملية الإنتاج يحتاج إلى أدوات، وهنا يأتي الدور الثاني من العوامل الأربعة في حياة الإنسان وهو الحرية.

يتميز الإنسان عن الحيوان بالعقل والمنطق والنطق تحول إلى لغة واللغة إلى مفاهيم وأسماء وأوصاف يطلقها على الأشياء من حوله. وقيم ومثل عليا ينظم بها علاقات الأفراد في المجتمع. يعيش الإنسان بعقله ونفسه وضميره. والإنسان السليم هو الذي له عقل ونفس وضمير سليم. بالعقل والنفس والضمير يتعامل مع الواقع . إن إصابة واحد من الثلاثة بالمرض يفقد هذا الإنسان توازنه وبذلك يتعامل مع الواقع بفعل غير متزن. هذا الفعل الغير متزن له نتائج سيئة على الفرد والمجتمع . إن مجتمعاً سليماً في عقله ونفسه وضميره هو مجتمع متطور وينعكس تطور المجتمع في اللغة. الإنسان بعقله ونفسه ولغته يصارع الطبيعة في عملية الإنتاج بأدواته وبذا يصنع تاريخه ولكن هذا التاريخ الذي يصنعه أيضاً خاضع لعملية التطور وبذا ينقسم التاريخ إلى مراحل وعصور. صنم الانفصال. لغة العصر وأدواته. مفهوم التخلف والتطور.

نحن أمام سؤال كبير:

لماذا هناك مجتمع متطور. ولماذا هنا مجتمع متخلف؟ وما هو معيار التطور والتخلف.

المعيار الذي يميز بين التطور والتخلف هو اللغة والأدوات. فإذا توافقت اللغة مع أدوات العصر كان المجتمع في حالة توازن وكان متطوراً.

وإذا حدث تضاد بين اللغة وأدوات العصر حدث التخلف. قد يقول البعض: إننا نستخدم السيارة والطيارة والجرار والحفارة وكلها أدوات العصر ولكن ومع ذلك نحن متخلفون. لا بد من السؤال: هل هذه الأدوات التي نستخدمها مستوردة أم من صنعنا؟.

إنك تستخدم أدوات العصر ولكنك لا تستخدم لغة العصر، لأن تلك الأدوات لم تأت من لغة متخلفة بل جاءت من لغة متطورة بكل مفاهيمها.

يرافق تغيير لغة عصر بلغة عصر آخر تطور اجتماعي وسياسي. أي النسيج الاجتماعي يتغير لأن صنع الآلة الحديثة يحتاج إلى نسيج اجتماعي تخصصي. وهذا يرافقه مناخ ولغة سياسية جديدة. وهنا يبرز العامل السياسي ويكون دوره هاماً جداً.

العامل السياسي لا يخلق التطور. لا يغير ولا يبدل ولا ينتج أدوات ولا يغير لغة ولكن دوره مهم جداً في مساعدة انتقال المجتمع من مرحلة إلى أخرى.

دور العامل السياسي في عملية التطور والتخلف عن العصر:

إن التطور يحدث من صراع الأضداد ونتيجة صراع الأضداد يتحول الكم إلى كيف. والصراع بين الكم والكيف صراع أزلي يشمل كافة نواحي الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية واللغة. إن أهمية العامل السياسي يكون في تنظيم هذا الصراع وهو يشبه دور الحكم في المباراة الرياضية حسب قوانين اللعبة والمتفق عليها من الطرفين. فإذا قام العامل السياسي بدور الحكم وفق قواعد اللعبة وقوانينها المتفق عليها بين الفريقين المتصارعين يحظى الجمهور بمشاهدة مباراة هادئة وسالمة. أما إذا انحاز إلى أحد الطرفين فتحدث الكارثة، قد تؤدي ذلك إلى وقوع مذابح رهيبة ويحدث التخلف لأن لكلا الفريقين أنصار بين المشاهدين.

الانفصال – المثقف والسياسة:

هنا يبرز عامل آخر هو المثقف. إن عملية تغيير اللغة ومفاهيمها والتعامل معها وقراءة التاريخ هي مهمة المثقف. وبذلك يلعب المثقف أيضاً دوراً كبيراً في عملية الانتقال. يدخل قانون الديالكتيك في هذا المجال ويفرض نفسه.

ينقسم المثقفون إلى قسمين:

  1. مثقف انتهازي.
  2. مثقف ثـــوري.

الانتهازية هي التضحية بالأهداف الاستراتيجية على حساب أهداف مرحلية مؤقتة. المثقف الانتهازي هدفه العيش حياة البراغماتية   ومن أجل ذلك يعمل على ألا تتطور اللغة بحيث تخدم حياته البراغماتية ويسعى إلى تجميد المفاهيم وفبركتها. بحيث تخدم أهدافه المرحلية.

ويزين الواقع بغية إقناع الجماهير المعذبة والمسحوقة كرامتها الإنسانية. إنه يحاول جاهداًَ أن يعيش المجتمع بأكمله بالشعارات. إيجاد مفاهيم مخادعة ومضللة ولكن بطريقة ذكية.

ومجتمع الشعارات يشبه من يشعل موقداً من النار ويضع عليه الطنجرة بداخلها أحجار وماء. ينادي الناس يا أيها الناس اصبروا وتحملوا وانتظروا الطعام على النار ولا يحتاج الأمر إلى زمن حتى ينضج الطعام. إصغوا إليَّ وأطيعوني سأشبعكم من هذا الطبخ اللذيذ، إنه مشهد مخادع ومضلل. وهو يعرف جيداً وبذكاء أن هذه الطبخة لا يمكن أن تستوي ولا يمكن أن يطعم الناس شرائح من اللحم والخضار. إنها مجرد أحجار مهما بلغت من الزمن. إنه يجيد خداع الناس. والعدو اللدود للحقيقة ويحاول بكل جهده ألا تظهر الحقيقة.

أما المثقف الثوري فبعكس الانتهازي يضحي بسعادته ومعيشته اليومية في سبيل تحقيق الأهداف الاستراتيجية. يرى سعادته من سعادة الآخرين. سلاحه الحقيقة مكرساً كل حياته للكشف عنها وإظهارها للناس. يدرس الواقع كما هو. وبما أن الواقع يسير وفق قوانين موضوعية خارجة عن إرادة الإنسان ولكون الحقيقة تغير شكلها في كل مرحلة  ولذلك فهو في بحث دائم عن الحقيقة ليكشفها وتصبح بذلك مناراً يسير على هديها الناس.

دور السياسي وعلاقته بالمثقف:   

لا يمكن للسياسي أن يتعاطى السياسة ويتعامل مع الواقع إلا بناءاً على قراءة صائبة للتاريخ. إن هذه الرؤية يقدمها المثقف.
إن السياسي رجل عظيم فإدارة شؤون الناس ليس أمراً سهلاً. والسياسي لا يمكن أن يستغني عن المثقف في إدارة المجتمع ومساعدة المجتمع في اجتياز مرحلة والانتقال إلى مرحلة أخرى. وعلى إدارة السياسي لعملية الصراع بين المثقف الانتهازي  والثوري يتوقف تطور المجتمع. والتاريخ أظهر لنا سياسيين عظام لعبوا أدواراً عظيمة في نقل مجتمعاتهم من مرحلة إلى أخرى، إن خطر ما يواجهه السياسي هو الوقوع في شباك المثقف الانتهازي.

الانفصال في خدمة الانتهازي:

لدى قيام المجتمع بعملية الإنتاج لتأمين حاجاته الضرورية للحياة تظهر ثروة اجتماعية هائلة يصرف المجتمع هذه الثروة في مجالات مختلفة للدفاع والمرافق العامة وجهازها الإدراي ويضعها تحت تصرف الدولة. هذه الثروة تثير لعاب الانتهازية. وهنا تبرز خطورة المثقف الانتهازي لإيجاد مفاهيم يخاطب بها الناس ليخدعهم ويحاول إقناعهم بأنه الحارس الأمين لهذه الثروة. فكان خير مفهوم أجاده المثقف الانتهازي هو الانفصال.

فلسفة الانفصال:

الانفصال في فلسفة المثقف الانتهازي يعني أن قسماً من البشر يسكنون فوق أرض الأجداد. ويحاولون تقسيم الجغرافية. والمقصود بهذا الانفصال هو الكردي. ومن أجل لا يتم هذا الانفصال الجغرافي أقترح بناء جيش كبير وشراء أسلحة وتشكيل قوة بوليسية. نظم أحكاماً وقوانين لوضعها أمام القضاة كي يحكم بها عن كل انفصالي.

إن فلسفة المثقف الانتهازي الانفصالي تقوم على الآتي: نحن أمة تريد أن تكبر وتقوى وتمتد كي تسيطر على العالم وذلك إحياء لرسالة الآباء ولهذا نحتاج إلى الجغرافية لأداء هذه الرسالة. وحتى هؤلاء الذين يريدون الانفصال لم يتم ذكرهم لأن فلسفته تقضتي عدم ذكر أي إنسان آخر سوى اسم قومه لأن رسالته التي يبشر بها هي محو الآخر فلما ذكرهم. ودُرست هذه الفلسفة لأبنائنا منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية وبداية تشكل الدول القومية وبعد انحصار موجة الاستعمار الغربي عن المنطقة.

لقد درس المثقف الانتهازي العربي هذه الفلسفة الأمة العربية. كما درسها المثقف الانتهازي الفارسي والتركي لأبناء أمته.

وهكذا ظهرت فلسفات عجيبة وغريبة عن روح العصر بأدواته ولغاته ومعاييره. وبناءاً على هذه الفلسفة فقد أثارت في مخيلة أبناء الأمة العربية والتركية والفارسية أحلاماً وردية:

العربي كان يحلم بإعادة مجد الآباء والأجداد الذين امتد حكمهم من الصين إلى الأندلس.

والتركي الطوراني الذي يعرفه الخيل والليل. والقرطاس والذي دخل أوروبا ووصل إلى أبواب فيينا.

والفارسي أراد أن يعيد أمجاد آبائه الذين امتد حكمهم حتى وصل إلى مصر.

ثلاث أمم دخلوا عصر بناء الدولة القومية… العربية والفارسية والتركية وكل أمة تحلم بالامتداد الجغرافي حلم الثلاثة معاً بالامتداد الجغرافي طوال مرحلة بناء القومية. ولكن هذا الحلم لم يتحقق ولم تمتد جغرافيتهم متراً واحداً سوى ابتلاع جغرافية الكردي.

ولدت فلسفة المثقف الانتهازي في جغرافية الكردي وأعتقد أنها ستموت في جغرافية الكردي. أما لماذا ستموت فلسفتهم وأحلامهم؟ فلأنهم كانوا يعبدون صنماً لا روح فيه ولا حركة. أبدعه المثقف الانتهازي للسياسيين، وبما أن الدولة القومية بنيت على حقيقة مزيفة فإنها لم تقوم ولم تتطور ولم يستفد منها سوى الانتهازية. وكان من نصيب الفقراء والكادحين البؤس والشقاء وانفصال أمة بكاملها عن روح العصر.لم تستطع أن تبدع لغة العصر ولا أدوات العصر. ونتيجة لسيطرة الانتهازية فقد تسببت بإفساد ضمير الأمة الاجتماعي. وانتشر مرض الفساد وتحولت السياسة إلى وسيلة للثراء.

في الوقت الذي كان فيه الغرب يسير إلى الأمام أو يتهيأ للعصر الذي يليه، كنا نرجع إلى الوراء. شملت عملية الرجوع إلى الوراء الأمم الثلاث: العربية والفارسية والتركية لأنهم كانوا يعبدون صنماً واحداً هو الانفصال.

إن نبش المثقفين الانتهازيين لقبور الأجداد وصراخهم المخادع  في الشعر والمقالة والخطب الرنانة والشعارات لم تسر بنا إلى الأمام. ومن لا يريد أن يصدق فلينظر إلى الواقع. والواقع هو أصدق شاهد في التاريخ. والسؤال الذي لا بد منه:

كيف استطاع المثقف الانتهازي أن يخدعنا وأن يجبرنا على عبادة صنم الانفصال.

لقد ظهرت الدولة القومية نتيجة تطور ثقافي واقتصادي واجتماعي في أوروبا وعلى أنقاض الإمبراطورية الدينية بنيت الدولة القومية. إن لكل قومية لغة واحدة. ولهم عادات وتقاليد. يسكنون فوق جغرافية واحدة. ولهم مصالح مشتركة وشكل كل قوم دولته ضمن حدود. واستبدلت لغتها ومفاهيمها السابقة الموروثة من العهد الماضي العبودي والديني بلغة اجتماعية وسياسية واقتصادية جديدة تماماً. فظهرت الدولة القومية ومعها لغتها السياسية والديمقراطية بشعاراتها الثلاثة: الحرية والمساواة والعدل. وبنيت هذه الدولة بموجب مؤسسات وتطورت إلى أن تخلصت نهائياً من المجتمع الأهلي إلى المجتمع المدني. وكانت وجهة تطورها دائما إلى الأمام أما في الشرق فقد أخذ المثقف الانتهازي من الدولة القومية الاسم دون لغتها ووضعت بدل لغة الدولة القومية لغة العصر العبودي.

ولما كانت الدولة القومية تختلف بأدواتها عن أدوات العصر العبودي فقد جاءت لغة الدولة القومية في الشرق معاكسة لأدوات الدولة القومية تماماً. ومن ثم تم التعامل مع المجتمع بلغة تفصل بين مجتمعاتنا والعصر العبودي حوالي 1300 عام تقريباً أي أن المثقفين الانتهازيين أجبرونا على مخاطبة بعضنا بلغة العصر العبودي. ولما كان المجتمع العبودي قائماً على السيد والعبد فقد أراد المثقف الانتهازي أن يحول مجتمع الدولة القومية بالكامل إلى مجتمع سيد وعبد فلم يرّ أمامه سوى الكردي ليحوله إلى عبد.
وهكذا بنت الأمم الثلاثة دولها القومية. وبناء على فلسفة المثقف الانتهازي ظهر مفهوم الانفصال. وتم التعامل والتخاطب:
الفارسي سيد والكردي عبد.

التركي سيد والكردي عبد.

العربي سيد والكردي عبد.

ولما كانت كل الحقوق المدنية والاقتصادية في المجتمع العبودي للسيد. يحق له أن يتصرف في حياة العبد كما يشاء: يقتله . ينتهك عرضه . يبيعه ويشتريه.

وهكذا تعامل السيد العربي والفارسي والتركي مع العبد الكردي كلٌ ضمن دولته القومية. هذه الدولة القومية والتي كانت من المفروض أن تكون دولة الحرية والمساواة والعدل والإخاء. فأمر جيوشه وانطلق إلى أرض الكردي ليدمر قراه ويحرق بيوته ويقتل من يشاء وينتهك الأعراض ويسحب منه هويته ويطرده من دياره.. والويل للكردي إذا قال: أنا كردي أو إذا تكلم بلغته يتهم بالانفصالية. وإذا وجد وهو يقرأ أو يكتب بلغته اتهم بالانفصالية. حتى إذا قال أنا كردي هكذا خلقني الله اتهم بالانفصالية وإذا نادى بالأخوة تذكيراً بما جاء بالقرآن الكريم:”إنما المؤمنون الأخوة” . ” وإنا جعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا”. اتهم بالانفصالية “وقال له: إنك عبد ونحن أسياد. ويحق للسيد بموجب قوانين العبودية أن يفعل بالعبد ما يشاء. ولا بد أن يسأل مرة ومرات: كيف استطاع المثقف الانتهازي أن يخدع أجيالاً كاملة ونحن في القرن العشرين: قرن الحرية والمساواة والعدالة.

كيف غابت الحقيقة عنا؟

وها هي الأمم الثلاث التي عبدت صنم الانفصالية تدخل عصر العولمة. عصر الثورة المعلوماتية بأدواتها: الانترنيت – الكمبيوتر – والحاسبات الالكترونية. حقوق الإنسان. ندخل هذا العصر ونحن لا نبدع ولا نصنع من تلك الأدوات ولا نفهم لغتها على الإطلاق. ترى كم من الوقت سيمر للتخلص من هذا الكم الهائل من التراث الفاسد… من فلسفة الانفصال ونستبدلها بمبادئ الحرية والمساواة والعدالة ومن ثم لغة حقوق الإنسان وإيجاد علاقات إنسانية ومؤسسات تكفل هذه العلاقة.

إن آثار تلك الفلسفة الانفصالية المدمرة لم يتوقف عند إفساد الضمير الاجتماعي لهذه الأمم الثلاثة الذين عبدوا صنم الانفصال بل تعداه إلى إفساد الضمير الإنساني للمجتمعات المتحضرة أيضاً. فها هي تركيا تحاول أن تدخل السوق الأوربية المشتركة تلك السوق التي كونتها أمم متحضرة تربط بينها الحرية والمساواة والعدالة وبنت مؤسساتها المدنية لكي تحمي تلك المبادئ وها هي تدخل عصر العولمة مع أدواتها .

ولكن ما هي فلسفة المثقف الثوري .؟

قبل البدء في الكتابة على المثقف الثوري لابد من معرفة كلمة الثوري.

هناك مفهوم متداول ومعناه أن الثوري هو الذي يحمل السلاح وينادي بالعنف. إن هذا المفهوم خطأ من الناحية العلمية. إن كلمة الثورة تعني تغيير الواقع .. الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي… وهذا التغيير لا يتم بقرارات سياسية ولا وفق إرادة الناس. إنها تتبدل وتتغير وفق قوانين موضوعية. إنها عملية تفاعل تأثير وتأثر.

والثوري هو الذي يستطيع بعقله المبدع أن يكشف تلك القوانين ويظهر حقيقتها ويقدمها للناس كي يعملوا ويفكروا بموجبها. المثقف الثوري يحاول معرفة الواقع كما هو بقوانينه الموضوعية. هدف المثقف الثوري الاستراتيجي هو التطور الاجتماعي الإنساني بالكامل. سعادته من سعادة الآخرين وشقائه من شقاء الآخرين ضد الظلم والقهر في أي زمان ومكان.

المثقف الثوري وموقفه من الانفصال: إذا كانت هذه هي مبادئ المثقف الثوري فلابد أن يكون موقفه من الانفصال كالآتي بناءاً على قوانين الواقع العلمية والمبادئ الإنسانية التي يؤمن بها المثقف الثوري.

  1. إن الكردي إنسان. وكونه إنسان يحق له التكلم بلغته وكتابتها وقراءتها. ويعبر بها عن أحاسيسه آلامه وفرحه كل من يمنعه أو ينكر وجوده يرتكب جريمة بحق الإنسان وعلى المثقف الثوري أن يقف ضده.
  2. إن الحرية الإنسانية واحدة والحقوق الإنسانية واحدة لا يمكن تجزأتها.
  3. إن من يريد أن يكون حراً ويعيش إنساناً حراً عليه أن يعرف أن الآخر يريد ذلك.
  4. يحق للكردي أن يبني تاريخه فوق أرضه وينشأ ثقافته من عقول أبنائه وأن يتعامل مع العصر بلغته وأدواته.
  5. بناءاً عليه يجب إلغاء كل القوانين والشرائع والدساتير التي صدرت من الأمم الثلاث والتي تدعوا إلى إنكار الكردي ووجوده في أرضه والسماح له أن يتكلم بلغته وقراءته وكتابته وإنشاء وسائل إعلام له. عاداته وتقاليده وثقافته ملكاً له.
  6. إذا كانت الكرة الأرضية بكبرها وامتدادها اتسعت وحوت كل هذه الأقوام والشعوب فإنها تستطيع أن تحوي الكردي أيضاً .
  7. إن الكردي ليس زائداً عن الوجود الإنساني بل هو جزء من الوجود الإنساني.
  8. إن إنكار الوجود الكردي وأرضه وثقافته ومحاولة إبادته ليست من شيم ومبادئ الإنسان العربي.
  9. لقد حمل العربي رسالة الإسلام ونشرها وكان هدفها خلاص الإنسان من الظلم والقهر لا لإبادة الإنسان وإنكار وجوده.
  10.  لقد جاء الإسلام الذي نقلنا نحن العرب من مرحلة العبودية إلى مرحلة الإخاء الإنساني والمساواة. لا لنعود إليها  وإلى كافة تكويناتها الاجتماعية ولغتها.
  11.  لقد كان الكردي جاراً ومن ثم شريكاً لنا منذ عشرة آلاف سنة قبل الميلاد. لم يأت إلى المنطقة من السماء. ولا هو من شذاذ الآفاق. ولا هم عملاء للإمبريالية. ولا هم خونة. ولا يردون استعمار أحد ولا نهب خيرات أحد.ولا قتل أحد. كل ما يريدونه هو العيش فوق أرضهم كردستان التي قسمتها الأمم الثلاث العربية والفارسية والتركية بمساعدة الاستعمار الغربي.
  12. هناك منطق ذرائعي شائع على لسان مثقفينا الانتهازيين في الأمم الثلاث التي تحكم الشعب الكردي وهو: كلما طالب الإنسان الكردي بحقه اتهم بأنه مدفوع بقوة خارجية: أحياناً نتهم الشرق وأحياناً نتهم الغرب. لقد تحول هذا المفهوم إلى صنم فهو لم يعطيهم لا الأمن ولا السلام.
  13.  ترى هل نحن بحاجة إلى من يذكرنا إلى بأن هناك شعب اسمه الشعب الكردي؟…
  14.  هل نحن بحاجة إلى من يعلمنا مبادئ حقوق الإنسان؟…

الانفصال ومعيار القوة:

ترى.. لماذا لم نصبح أقوياء ولم نحتل مكاننا بين الأمم القوية؟ هل قلة الجغرافية؟ أم قلة عدد السكان؟ أم قلة المال والمواد الأولية؟…

أنا أقول: بأننا لم نصبح أقوياء لا لقلة الجغرافية وعدد السكان ولا نقص المواد الأولية فكل مقومات القوة كانت متوفرة فقط كانت تلزمنا قراءة صحيحة للتاريخ ومعرفة قوانين الواقع والكشف عن استمرار المادة وسياسة علمية مبنية على تلك الرؤيا العلمية ورسم أهداف استراتيجية والتعامل مع الواقع الاجتماعي بلغة العصر.

إن حاجة كل مجتمع إلى مثقف ثوري كحاجته إلى الهواء والماء والغذاء. والمثقف الثوري هو الذي يقدم تلك الرؤيا الاستراتيجية المبنية على دراسة علمية دقيقة لحركة التاريخ في تغييره وتطوره. وبعدها يأتي دور السياسي كي يسير أمور المجتمع ويديرها وينظمها ليصل إلى بها امتلاك القوة.

معيار القوة:

لم تعد المجتمعات القوية تقاس بكبر جغرافيتها ولا بعدد سكانها ولا بكثرة خيراتها. إن المجتمع القوي هو الذي يملك لغة عصرية غنية وأدوات العصر.

لو قارنا بين الدول العربية والفارسية والتركية بجغرافياتها وعدد سكانها وخيراتها مع أصغر دولة في العالم سويسرا مثلاً لا بد أن نشاهد الفرق في القوة ولا شك أن سويسرا أقوى بكثير من هذه الدول الثلاث لأنها تنتج أدوات العصر وتمارس لغة عصرية.

الانفصال وخلق الفساد:

لقد أرسل الكثير من الموظفين ورجال الأمن من أبناء الأمم الثلاث كل ضمن دولته القومية إلى المناطق الكردية ليحموا صنم الانفصال. راحوا سليمي الضمير ورجعوا فاسدي الضمير.رجعوا لصوصاً أصيب ضميرهم بفيروس اسمه الرشوة. لقد ذهبوا إلى كردستان وهم مزودين بأقوى سلاح هو الانفصال تدعمهم قوة القانون. وبغية الحصول على المال والمال في هذا العصر هو كل شيء ويفيد كل شيء تراجع الحفاظ على سلامة الضمير إلى الخلف. لقد جاءته الفرصة ولا يريد أن يفقدها والحياة فرص. كل كردي لا يقدم له الطاعة والولاء والمال والعرض ويكون عبداً بين يديه يتحول إلى انفصالي جزاءه السجن والتعذيب والتأديب أو الموت.وكل ما تبدعه النفس البشرية من الأذى يطبق على جسد الكردي.كل الجهاز التنفيذي والقضاء والبوليس والجيش في تنافس على كسب المال والويل للكردي إذا امتنع عن إعطاء ما يطلب منه.. فإنه سيتهم حينها بأنه انفصالي.

إن هذا التعامل مع الكردي ترك آثاراً مدمرة على المجتمع الكردي ذاته أيضاً. فإذا اختلف كردي مع كردي حتى لو كان على دجاجة لجأ إلى الانتقام من خصمه فكتب تقريراً إلى الجهات الحاكمة متهماً خصمه بالعمل لصالح الانفصالية.

ولنضرب مثلاً من الواقع: عندما أمرت القيادة السياسية في العراق الجيش بمهاجمة المناطق الكردية هذا الجيش كان من المفروض أن يحفظ الأمة العربية ويدافع عن سلامتها. عندما دخل الجيش إلى كردستان وهو مزود بأمر حماية صنم الانفصال وتعلم هناك كيف يدمر القرى والقصبات وكيف يقتل الناس وينتهك الأعراض الكردية وينهب الأموال. لقد أصيب في ضميره.

ودارت الأيام: عندما أمرت نفس القيادة السياسية ذلك الجيش لغزو الكويت والكويت بلد عربي وأبناء الكويت هم أبناء العروبة دماً ولحماً. فالشيء الذي تعلمه الجيش في كردستان ومع الكردي مارسه مع أخيه العربي بالتمام والكمال فتعرض كل البناء الحضاري الذي أقامه شعب الكويت بعرقه وكده للدمار وأحرقت آباره البترولية ونقلت إلينا وسائل الإعلام ميلاد عشرة آلاف طفل غير شرعي نتيجة انتهاك الأعراض. لقد كانت السعودية والإمارات مرشحة لهذا المصير. واضطرت السعودية والإمارات المسلمة بالاستنجاد بالكفار( بلغة الزمن الماضي) لخلاصهم من ظلم المسلم لأخيه المسلم. وللمصير الأسود الذي ينتظره. فكان ما كان وحدث ما حدث. وطارت أحلام العرب كلها.

كان العربي يحلم بالوحدة العربية وكان شعاره منذ أن نال الاستقلال.. وصار كابوساً وصرنا نحلم بدلاً من الوحدة التضامن العربي.

ثم نزلنا إلى الاتفاق العربي ثم رضينا باللقاء العربي حتى هذه الأحلام صارت سراباً.

لم يعد المواطن العربي يجد أمنه وسلامته ناهيك عن الأحوال المعيشية. لم يعد أمامه سوى الرجوع إلى مجتمع العشيرة والقبيلة والمذهب والطائفة عله يجد من يحميه.

وهكذا بدأ مسيرنا إلى الوراء لا إلى الأمام.. نبكي على الأطلال وننادي الآباء والأجداد ليأتوا من قبورهم ويجدوا لنا الأمن والسلام هذه هي النتائج المدمرة التي جنيناها من صنم اسمه الانفصال وفلسفته.

ترى كيف كان الحال في الجانب التركي ومع عبادته لصنم الانفصال؟…

إنني أحيل الجواب إلى الكاتب والمثقف الثوري إسماعيل بيشكيجي صاحب كتاب كردستان مستعمرة دولية. أما في الجانب الفارسي فالمعلومات التي تصلنا من وسائل الإعلام وكل المؤشرات تدل على أن هذا المجتمع الذي بني في ظل صنم الانفصال مهيأ للانفجار ولا يعلم سوى الله سبحانه وتعالى كم سيكون الثمن من الدم والخراب.

أما ما أصاب جسم الأمة الكردية من أضرار من هذا الصنم فأترك الجواب لأبناء هذه الأمة لتعبر عن آلامها ودمارها وأحزانها.
الانفصال والنتائج المستخلصة وفلسفة الواقع:

نحن أمم أربع: العربية والفارسية والتركية والكردية.

متحدين في الواقع والتاريخ والثقافة منذ قرون طويلة وسنبقى متحدين. لا حياة للعربي والفارسي والتركي بدون الكردي. ولا حياة للكردي بدون العربي والفارسي والتركي. إن أية مصيبة تقع في المنطقة تقع على الكل. إن أي صدام بين هذه الأمم يعني فتح الباب على مصراعيه أمام كل غازي وطامع في ثرواته يتحول مصير هذه الأمم إلى لعبة بين أيدي الطامعين. في اتحادهم قوة… وفي تفرقهم ضعف. ونحن الأمم الأربعة متخلفين عن العصر. ولكي ننتقل إلى العصر الجديد نحتاج إلى فلسفة جديدة ورؤية استراتيجية جديدة… رسم سياسات جديدة تخدم اتحادنا وبالتالي تطورنا. إن مهمة إيجاد هذه الفلسفة تقع على عاتق المثقف الثوري. إنها مهمة صعبة ولكنها جليلة وعظيمة. لا بد من الخطوات الأساسية التالية:

1- تحطيم الأصنام التي كانت سبباً في تخلفنا وكما فعل نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.

2- يحتاج المثقف الثوري إلى صبر وشجاعة في قول الحقيقة تماماً مثل محمد صلى الله عليه وسلم عندما كان
يتلقى الأذى من الذين كانوا يعبدون الأصنام فكان يقول” اللهم أهدي قومي فإنهم لا يعلمون”.

  1. سلاح المثقف الثوري الحقيقة كما هي يقولها حتى ولو على نفسه.

الانفصال وبداية عصر الانبعاث الإنساني:

أنادي أبناء الأمم الأربعة: العربية والفارسية والتركية والكردية لا تستسلموا لليأس. إن الدنيا مركبة من ثنائيين متضادين. وفي صراعها يحدث تطور والانبعاث. ليس الدنيا كلها سواد بل يقابلها البياض. لقد لعب السواد دوره.. ولكن البياض لم يلعب دوره.. سلاح السواد.. الخداع والتضليل. وسلاح البياض الحقيقة. لقد بدأ عصر الانبعاث.. لإيجاد فلسفة الاتحاد بين الأمم الأربعة. بدأها شاعرنا ومفكرنا العظيم من الأمة العربية

1- محمد مهدي الجواهري بدلالة واضحة.  لقد وضع على رأسه قبعة كتب عليها “بان كردستان بان غان” وتعني” كردستان أو الفناء”. وضعها ولم يرفعها حتى آخر أنفاسه.

لم يكن هذا المثقف الثوري جاهلاً ولا غبياً. بل كان يملك رؤية استراتيجية بعيدة.

2- وها أنا أبو الياس أرفع راية الدفاع عن حق الشعب الكردي في الحياة جاعلاً من كشف الحقيقة كما هي ليظهرها لكل الدنيا داعياً إلى فلسفة الاتحاد بين الأمم الأربعة.

وهناك من قلب الأمة العربية مصر العروبة مصر الثقافة والحضارة العريقة أسمع صوت ألف وخمسمائة مثقف ثوري يصرخون مدافعين عن الشعب الكردي وتشكيل لجنة الدفاع والتضامن مع الشعب الكردي. من لبنان تسمع صوت الحقوقيين. من فلسطين تسمع أصوات التأييد والاستنكار.

ومن الأمة التركية ظهر مثقف ثوري عظيم ذو إرادة قوية فولاذية متحدياً كل آلة الظلم والقهر. إسماعيل بيشكيجي ونال من حكم السجن مائتي سنة.

كم كنا نتمنى أن يظهر بين الشعب الفارسي مثل هؤلاء المثقفين الثوريين.

الشارع العربي والتركي والفارسي والكردي لا خلاف بينهم يحملون في نفوسهم ووجدانهم. رغبة الاتحاد وحياة إنسانية مشتركة قائمة على أساس المساواة والعدل. وباتت كل الظروف مهيأة لظهور ديغول الخلاص.

الانفصال وظهور ديغول الخلاص:

لا بد من العودة إلى البداية قبل النهاية.

لقد قلت سابقاً بأن شعوب الشرق الأوسط تحتاج إلى ديغول عربي وفارسي وتركي للخلاص. كان استنتاجي من دراسة عميقة للواقع. هناك طريقين للخلاص:

  1. طريق ثورة شعبية من القاعدة. وهذه الطريقة قد ولى زمانها.
  2. لقد ظهر عامل تاريخي يفرض نفسه هي الاتحادات الاقتصادية الاقليمية بين الشعوب بدلاً من الانفصال.
  3. إن عهد الدول القومية قد انتهى ولم يعد لأي دولة قومية بمفردها البقاء على قيد الحياة في عالم التكتلات الاقتصادية الجبارة.
  4. إن اتحاد الأمم الأربعة في الشرق الأوسط بات أمراً وضرورة تاريخية ملحة.
  5. بالرغم من سيادة الفلسفة الانتهازية ولمدة طويلة فإنها لم تستطع أن تفرق بين شعوبها.

الطريق الثاني: ظهور شخصية سياسية من القمة:

لماذا ديغول؟ إن وضعاً تاريخياً مشابهاً قد نشأ لدى ظهور ديغول. كان ديغول رجل دولة من القمة. كان وطنه وشعبه مشتركان في حرب استعمارية مع الشعب الجزائري. وكانت نتائج هذه الحرب ذات تأثير كبير على الشعب الفرنسي.

كان ديغول أمام إمتخان صعب. فالانتهازية كانت تريد استمرار الحرب. فجاءت قراءة ديغول للتاريخ صائبة واتخذ القرار الشجاع وأطلق صرخته المعروفة وسجلها له التاريخ حين قال: إن فرنسا تستطيع أن تعيش بدون الجزائر. وهكذا أنقذ حبيبته فرنسا من الهلاك.

والشرق الأوسط يحتاج إلى رجل سياسة من القمة ومن طراز ديغول. يملك الشجاعة الكافية لمجابهة الواقع والانتهازية.

تبني قضايا الجماهير الكادحة والفقيرة.

بناء جسور الاتصال مع الجماهير مباشرة.

تحطيم كبير الأصنام .. الانفصال لأنه منه تتغذى الانتهازية.

رسم استراتيجيات تساعد على توجه شعوب المنطقة نحو اتحاد طوعي حر.

يأخذ الكردي دوره في هذا الاتحاد كشريك حر متساوي في الحقوق والواجبات. سيكون دور الكردي في هذا الاتحاد كبيراً. ولا يمكن قيام اتحاد بدونه لأنه هو القاسم المشترك الذي كان سبب انفصال هذه الأمم عن بعضها البعض نتيجة صراعهم على اقتسام أرضه. وهو الذي سيلعب أيضاً دور القاسم المشترك للاتحاد.

لقد وصلت شعوب المنطقة إلى درجة من العيش لا تطاق.

وعندما يظهر رجل الخلاص سيكون معبود الملايين وسيسجل التاريخ اسمه بأحرف من نور كما سجل التاريخ اسم ديغول.
ترى .. أية أمة ستكون سباقة لظهور مثل هذا الديغول؟.

العربية أم الفارسية أم التركية.

نحن بالانتظار.

 

حلب في     محمد تومة

شباط 2000مـ    أبو إلياس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

أبو إلياس – طريق الحقيقة رقم 31

طريق الحقيقة رقم 31 موضوع الحلقة: هل امريكا هي القطب الوحيد الغير منازع لمئة سنة قادمة. ول…