‫الرئيسية‬ طريق الحقيقة أبو إلياس – طريق الحقيقة رقم 4

أبو إلياس – طريق الحقيقة رقم 4

التاريخ والقوانين:

1-      الشرق الأوسط والأمم الأربعة ومجتمع الندرة وفقدان الأمن والسلام الاجتماعـي .

2-      لــماذا لم نفهم التاريخ ولم يفهمنا التاريــخ ؟

3-      الجذور التاريخية للاختلاف . الصراع المدمر وفقدان الأمن والسـلام الاجتماعي .

4-      التعامل مع التاريخ بشكل عشوائي وظهور مجتمعات العنف .

5-      ظــهور العـولمة وتأثـيـرها على العالم والشـــرق الأوســط .

6-      قوانــيـنـي الـمـطروحة للـــتعامل مـــع الــواقــع الـتـاريخي .

7- (ذكر) قد تنفع الذكرى .

المقدمة :الإنسان الشرقي والتاريخ :

مسكين أيها الشرقي دائماً وأبداً يلبس الألبسة التي رماها التاريخ فيعاقبه التاريخ ويصيبه التخلف ويفقد الأمن والسلام الاجتماعي ويبدأ بالعنف مع ذاته معتقداً بان العنف هو الوسيلة الناجعة لإعادة الأمن والسلام الاجتماعي ويغوص في الوحل أكثر . ترى لماذا يفعل هكذا ؟ .

1- الشرق الأوسط والأمم الأربعة:

العربية والفارسية والتركية والكردية وفقدان الأمن والسلام الاجتماعي ومجتمع الندرة . أين تكمن الحقيقة ؟ ولماذا الحقيقة ؟.

إنما يبنى على الحقيقة دائم والنتيجة مجتمع الوفرة والأمن والسلام الاجتماعي . وكل ما يبنى على غير الحقيقة زائل والنتيجة مجتمع الندرة وفقدان الأمن والسلام الاجتماعي .

أليس من الغريب والعجيب وبعد مرور ثمانين عاماً على قيام الدولة القومية أن يشعر كل فرد من هذه الأمم الأربعة أن حياته وأمنه في خطر شديد والخطر شامل يشمل كل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية . أو ليس من الغريب والعجيب ونحن ندخل عام 2000م أن نأتي لنعصر دماغنا للبحث عن الحل الذي يعيد إلينا الأمن والسلام الاجتماعي ؟.

ترى لماذا وبعد ثمانين عاماً من العمل عاقبنا التاريخ بمجتمع الندرة وفقدان الأمن والسلام الاجتماعي هل لأننا لم نفهم التاريخ؟ أم أن التاريخ لم يفهمنا ؟

تلك هي العقدة الأولى التي لا بد للباحث عن الحقيقة أن يفك عقدتها .

2- لماذا لم نفهم التاريخ ولم يفهمنا التاريخ:

من وجهة نظري إن فك العقدة تكمن في فك عقدة أخرى وهي: وعي الحقيقة .

تنقسم الحقيقة إلى قسمين:

1-      الحقيقة المطلقة.

2-      الحقيقة النسبية.

والسؤال : هل يقبل التاريخ الحقائق المطلقة أم الحقائق النسبية ؟

3- الجذور التاريخية لظهور الحقائق المطلقة والنسبية:

الإنسان والتاريخ: الإنسان هو الكائن العضوي الوحيد الذي يصنع التاريخ . لا إنسان بدون تاريخ … ولا تاريخ بدون إنسان . ونستطيع أن نقول إن سر سعادته وشقائه تكمن في تاريخه .

ولكون الإنسان خلق اجتماعياً فلا بد من صنع التاريخ اجتماعياً . ولكن الناس الذين يعملون معاً لصنع التاريخ لم يخلقوا متساويين بيولوجياً ولا فيزيولوجياً ولا سيكولوجياً . وهذا يعني أنهم سيتعاملون مع التاريخ مختلفين فكرياً أيضاً . وبذلك ظهرت عقدة الحقيقة في التعامل مع التاريخ .

ظهور عقدة الاختلاف الفكري وفقدان الأمن والسلام الاجتماعي:

منذ ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد تقريباُ وحتى الآن بدأ الإنسان يفكر بعقله لتفسير الوجود والخلق والظواهر الطبيعية والتاريخ والمجتمع والفكر.. والإنسان نفسه .

لقد قسم الإنسان نفسه إلى قسمين:  1- روح                  2- مادة

وبرز هذا التقسيم وجهتين فلسفيتين مختلفتين هما:

1- روح              التيار المثالي         حقائق مطلقة.

2- مادة               التيار المادي         حقائق نسبية.

فالمثاليون أعطوا الأولوية للروح . والماديون أعطوا الأولوية للمادة . فأعطى المثاليون المرجعية في خلق كل الموجدات والظواهر والأنواع في الطبيعة والمجتمع والفكر إلى قوة مطلقة روحية من خارج المادة وبها تعاملوا مع الواقع التاريخي ومارسوا السياسة والاقتصاد والثقافة والاجتماع والحقوق على هذا الأساس .

أما الماديون فقد أعطوا المرجعية في كل هذا إلى المادة نفسها: لا قوة غير مادية وتعاملوا مع التاريخ ومارسوا السياسة والاقتصاد والاجتماع والحقوق على هذا الأساس .

وكان الاختلاف بين التيارين ولا زال .وبدأ قانون آخر هو قانون الصراع بين التيارين .

الاقتصاد الصناعي:

ظهور التناقض التاريخي بين العامل الاقتصادي والعامل الإيديولوجي والروحي وإعلان الحرب.

بدأ التيار المادي يشدد من ضغطه على التيار الروحي ، وبدأ اعتزازه بنفسه بعد الثورة المعرفية والثورة التكنولوجية وحل مشكلة الإنتاج وإيجاد مجتمع الوفرة ، فكان من الطبيعي وفق منطق التاريخ أن يطالب بالثورة السياسية والحقوقية والثقافية والهيمنة على ذلك وبدأ يطالب بتغيير لباس التاريخ . ولكن التيار المثالي لم يستسلم لذلك وبدأ يشتد في عنفه واستبداده ، وبدأت حرب قاسية ومريرة راح ضحيتها كثير من المفكرين الماديين العظام .

فكان التاريخ بجانب التيار المادي . وتمكن التيار المادي من استلام السلطة السياسية وقام بثورة ثقافية وسياسية وحقوقية واجتماعية واقتصادية شاملة ، وبذلك تمكن من الهيمنة السياسية والاقتصادية والثقافية بالكامل . وغير لباس التاريخ تماماً.

ولكن التيار المادي لم يكتف بالهيمنة السياسية والثقافية فقط بل استطاع أن يخلق مجتمع الوفرة واستطاع أن يلبي ويؤمن كافة المتطلبات الحيوية للإنسان .

والقضاء على الجهل والفقر والمرض والاستبداد والتسلط ، وطور النظام السياسي وأوجد المؤسسات المدنية التي تؤمن الحرية . وهذا لا يعني أن الناس تحولوا إلى ملائكة . بل ظل وستظل النفس البشرية فيها من التناقضات بين فرد وآخر وليس بين المجتمع والنظام ويمكن لنظام الحياة في المجتمع الوفرة أن يحل هذه التناقضات بسرعة دون أن تتحول إلى حرب المجتمع مع نفسه .
الجانب السلبي لظهور المجتمعات الصناعية المادية:

هو ظهور حركة استعمارية تنافسية على اقتسام العالم جرت على البشرية حربين عالميتين راح ضحيتها مئات الملايين من البشر. ومسؤولية ذلك لا تقع بالكامل على تلك المجتمعات بل المجتمعات المتخلفة بالتساوي . لأن تلك المجتمعات المتخلفة عن ركب التاريخ لم تكن عندها أي قراءة للتاريخ وبالتالي لا رؤية . فلم تحاول أن تتخلص من المجتمعات الطبيعية وتركت فراغاً والطبيعة لا تتحمل الفراغ فجاءت المجتمعات الصناعية لتملئ الفراغ . لقد كبر التاريخ وامتد طوله فغيرت المجتمعات الصناعية لباسها ولكن المجتمعات الطبيعية لم تدرك هذا فاحتفظت بلباسها القديم الذي رماه التاريخ .

الجانب الإيجابي للتيار المادي:

تمكن التيار المادي من خلق مجتمع الوفرة . لقد لاحظ الناس الفرق الكبير في حياتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. لقد لعب ماديو الغرب بذكاء خارق مع التاريخ نتيجة اتباعهم سياسة ليبرالية وضمنوا للتيار المثالي كافة حقوقهم الاجتماعية وممارسة كافة عقائدهم بكل حرية وبذلك أبعدوا عن السياسة وتمكن ماديوا الغرب من نقل مجتمعاتهم بالكامل من الاقتصاد الطبيعي الساكن المحافظ التقليدي والمكرر إلى المجتمعات الصناعية ذات الاقتصاد المتحرك لقد كانت ثوراتهم ثورات قوانين شملت كافة ميادين الحياة السياسية والاقتصادية والعلمية والثقافية والتكنولوجية وامتدت آثارها لتشمل العالم كله .

انحصار الحركة الاستعمارية للتيار المادي الغربي وظهور التيار المادي في الشرق الأوسط وتكوين دول قومية ظهر التيار المادي في الشرق الأوسط بعد انهيار الإمبراطورية  العثمانية والتي كانت آخر قلاع التيار السياسي المثالي في العالم بعد أن شبع الناس من الاستبداد السياسي والاجتماعي والظلم والجوع والفقر والمرض والفساد وحرق شعوب بكاملها وحروب مستمرة ولازال الناس يذكرون تلك المآسي والآلام التي عانتها شعوب تلك الإمبراطورية  العثمانية .

وهكذا ظهر تيار مادي وبمساعدة الغرب وكانت له الهيمنة السياسية والثقافية وتشكل دول قومية وبدأ صراع جديد في المجتمعات الشرق أوسطية.

لقد ظهرت مجتمعات قومية ولكن تحمل في طياتها بذرة موتها نتيجة زرع قنابل موقوتة يمكن تفجيرها في أي وقت كان وتمكن التيار المادي الغربي من وضع صمام الأمان لتلك القنابل الموقوتة في يدها لقد لعب التيار المادي الغربي الراحل عن المنطقة بذكاء خارق فتم تخطيط المستقبل للشعوب وللأوطان التي انحسرت عنها سياسياً وعسكرياً ولكنها خططت لتكون في قبضتها اقتصادياً إلى الأبد ، وتم التخطيط لها في معاهدة سايكس – بيكو . وكان للشرق الأوسط أكبر نصيب من سموم هذه المعاهدة . لقد خططوا لمستقبل هذه المنطقة لألف عام بحيث تسبح في برك من الدماء مع مجتمعاتها بصورة مستمرة وتقضي على كل محاولة للقيام بحركة نهضوية ونتيجة لهذه الحروب المستمرة ضد بعضهم البعض تلجأ كل الأطراف المتصارعة إلى طلب الحماية مجدداً من الغرب وبذلك تكون لهم السيطرة الاقتصادية دون الاستعمار المباشر الذي لم تعد شعوبهم ترض بذلك . فكان لهم ما أرادوا لقد وقع ماديو الشرق الأوسط للأمم الأربعة العربية والفارسية والتركية والكردية في الفخ ولعبوا دوراً في منتهى الغباء سواء كان عن علم أو جهل بقراءة التاريخ . وظهرت أسوء المسرحيات السياسية في هذه المنطقة من العالم بمؤلفيها الأيديولوجية ومخرجيها وممثليها . وكانت لمسرحياتهم أكبر الأثر في مستقبل المنطقة والعالم وهذا ما نعانيه اليوم من نتائج . لقد تحولت منطقة الشرق الأوسط إلى منبع للشر . وأعتقد أنها ستكون منبعاً للخير أيضاً ، وهذا ما بينته في ” دوحة الحرية ” .

ولكن كيف تم ذلك ؟ وكيف سارت الأمور حتى الآن ؟ لقد ظهرت دول قومية ذات تيار مادي تمت لها الهيمنة السياسية وظهرت معها مجتمعات ذات قوميات متعددة تم التخطيط لها من قبل الدول الاستعمارية التي رحلت: قومية ظالمة وقومية مظلومة .

فظهرت دولة قومية مادية فارسية – القومية الفارسية مهـيمنة والكرديــة مظلومة.

دولـــة الــعــراق الــمـــاديـــة – الـقـومية العربية مـهـيمنة والـكرديــة مـظلومــة.

الجمهورية التركية المادية – القومية التركية مهيمنة والقوميات الأخرى مظلومة .

لقد رسمت وخططت جغرافية هذه الدول وحددوها بحيث يمكن تفجير الحروب بينها وبين مجتمعاتها في أي زمان ومكان لتسبح في برك من الدماء . بحيث تقضي على أية حركة نمو سياسي أو اقتصادي أو ثقافي .

وهكذا نرى أن الشعب الكردي الذي هو ثاني أكبر قومية في المنطقة تم توزيعه بين الأمم الثلاث: العربية والفارسية والتركية . وبذلك زرعوا آسفين التخلف الأبدي لهذه الأمم الثلاثة ولضمان بقاء هذه الأمم في تبعية أبدية للغرب . حدوث مفاجئ في السياق التاريخي وظهور تيار مادي من نوع آخر .

ظهر تيار مادي آخر هذه المرة من الشرق – من روسيا القيصرية بعد الثورة البلشفية – هذا التيار المادي سمى نفسه بالاشتراكية وتمت له السيطرة السياسية وظهرت الأيديولوجية الاشتراكية المادية الشمولي “المطلق” وأصبحت موسكو مركزه . وبذلك تحول قانون الصراع إلى قانون الصراع الأيديولوجي في العالم .

وبين الحقائق المطلقة والحقائق النسبية انقسم التيار المادي والصراع على العالم إلى قسمين:

1-      تيار مادي غربي ليبرالــي ” حقيقة نسبية “.

2-      تيار مادي شرقي شمولي ” حقيقة مطلقة “.

أما التيار المثالي المطلق فقد تراجع إلى الخلف وخرج من معركة الصراع السياسي على مستوى العالم .

مرحلة الصراع بين التيارين الماديين والمجتمعات الشرق أوسطية للأمم الأربعة: العربية والفارسية والتركية والكردية .

لقد انقسم التيار المادي المهيمن إلى قسمين :

1-      قسم أخذ حمايته من التيار الغربي الليبرالي سياسياً وعســـكرياً.

2-      وقسم أخذ حمايته من التيار الشمولي الشرقي سياسياً وعسكرياً.

حــالة المجتمعات الشرق الأوسطية من الناحية الأيديولوجية وقانون الصراع .

ظهر هناك صراع بين ثلاث تيارات أيديولوجية في داخل مجتمعات الأمم الأربعة:

1-      تيار مادي ليبراري غربي.

2-      تيار مادي شمولي شرقـي.

3-      تيار مثالي مناقض للغربي والشرفي”لا شرقية ولا غربية ” أصولي.

انقسم التيار المادي من الناحية السياسية إلى قسمين :

1-      الـتـيــار الـمـادي اللـيـبـرالــي ” إدعـاء ” وشكلت دولـة قوميـة – حقيقـة مطلقـة .

2-      التيار المادي الشمولي الاشتراكي ” ادعاء ” وشكلت دولة قومية – حقيقة مطلقة .

التيارين المادي الليبرالي والاشتراكي تعاملا مع مجتمعاتهم بأيديولوجية خليطة عجيبة متحججاً بالخصوصية وكانت غريبة عن منطق التاريخ تماماً . فكان عقوبة التاريخ لهم التخلف السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي وظهرت مجتمعات العنف وفقد الأمن والسلام الاجتماعي . لقد مارسوا سياسات وتكتيكات واستراتيجيات عشوائية دون قراءة التاريخ وبدون رؤية تاريخية . كلا التيارين مارسا نشاطهما مع التاريخ بحقائق مطلقة مادية . فلم يتمكنوا من نقل مجتمعاتهم من الاقتصاد الطبيعي إلى مجتمع الاقتصاد الصناعي .

وبذلك شكلت هذه المجتمعات المستاءة أرضية لظهور العنف وقبول الناس به . وظهر مع هذه المجتمعات عاملين آخرين سياسياً وأيديولوجياً:

1-      ظـهــور الــعـامـل الــكـردي كحركة قـومـيــة ســياســيـة .

2-      ظهور العامل الإسلامي كحركة أيديولوجية مطلقة سياسية .

وبذلك اكتملت لوحة العنف تماماً بكافة تياراتها السياسية والأيديولوجية وعلى الشكل التالي:

1-      التيار المادي الليبرالي الديمقراطي ” ادعاء ” القومي المطلق.

2-      التيار المادي الشمولي الاشتراكي ” ادعاء ” القومي المطلق .

3-      التيار المثالي المعارض………………………  مطلق .

4-      التيار المادي القومي الكردي المعارض …………المطلق.

تقسيم الإنسان في مجتمعات الشرق الأوسط إلى صفات .

بالإضافة إلى تقسيم الأوطان والشعوب جغرافياً . قسم الإنسان بشرياً من حيث الصفات ضمن كل مجتمع على الشكل التالي:

1-      المجتمع المـهـيـمـن سـياسـياً لـلـتـيـار القومـي الـمـادي الديمقراطي “ادعاء” شريف – خائن .

2-      المجتمع المهيمن سياسياً للتيار القومي سياسياً المادي الاشتراكي ” ادعاء ” تقدمي – رجعي .

3-      التـيـار المـثالـي المعــارض المـطـلـق ودخـل فـي الـصـراع الســياســي      مؤمن – كافر .

4-      أما التيار الكردي السياسي والمادي المطلق قد وُصف من قبل التيارات السياسية المهيمنة: انفصالي – إرهابي.

وهكذا ومع بداية الثمانينات من القرن العشرين اكتملت لوحة العنف جغرافياً وبشرياً وأوصافاً وتخلفاً .

هذه اللوحة كانت مهيأة للعنف مع مرور كل يوم وبدأ الناس يقبلون أية أيديولوجية أو زعامة أو حزب يطرح شعار التغيير. لم يعد الناس يسألون عن وجهة التغيير سواء أكان إلى الأمام أم إلى الوراء . إن شعار التغيير أصبح شعاراً جذاباً يجذب ملايين من الناس المستاءين من أحوالهم. فإذا جاءهم رئيس العشيرة أو القبيلة أو المذهب أو الدين وحتى رجل من كوكب المريخ وقال لهم: الحقوني فسوف أخلصكم وأغير أحوالكم يقبلونه على الفور دون أن يسألوا إلى أين ستقودنا وكيف ستغير أحوالنا ؟ المهم يريدون أن يتحركوا من هذا السكون الرهيب . وبذلك أصبحت المنطقة بكاملها مهيأة للعنف .

التحول المفاجئ للخارطة :

لقد حصلت انعطافات مهمة في خط سير التاريخ :

1-   وصول التيار المثالي المطلق إلى السلطة السياسية في إيران وبدأ يطلق شعاراته ضد التيار المادي الغربي الليبرالي والمادي الشرقي الشمولي على السواء.

الشيطان الأكبر والشيطان الأصغر ” لا شرقية ولا غربية هي إسلامية ” أراد إحياء التراث السياسي المثالي وحاول تصدير ثورتها فاصطدم بالتيار المادي القومي والمدعوم من الغرب المادي وأشعل حرباً دامت ثمان سنوات . وأخيراً هدأت أصوات المدافع بعد أن أُجبر الخميني زعيم هذه الثورة على تجرع كأس السم وليدرك أخيراً أن الرياح لا تجري بما تشتهي السفن وأن رياح التاريخ لا تقبل إلا رياحها.

            2- والتحول المفاجئ الثاني في حركة التاريخ حدث مع بداية عقد التسعينات في القرن العشرين: انهيار الاتحاد السوفيتي بشكل دراماتيكي لم يشهد التاريخ سوى مرة واحدة من قبل . فالتاريخ يخبرنا بأنه كان هناك سد مأرب في اليمن وكان يمد الناس من حوله بالحياة . فقامت حضارته ولمدة طويلة من الزمن ولكن فأرة حفرت فيه حفرة فانهار السد بكامله وجفت المياه وتحولت المنطقة إلى صحراء لا حياة فيها.

ترى هل يحق لنا أن نسأل الأسئلة التالية ؟

1-      هل فعلاً كان انهيار سد مأرب بفعل حفرة فأرة .

2-      هل فعلاً كان انهيار الاتحاد السوفيتي بفعل حفرة فأرة اسمها غورباتشوف .

3-   أم بفعل عدم قدرة قراءة التاريخ والجهل بالرؤية التاريخية . فكان لانهيار الاتحاد السوفيتي الذي كان أباً للتيار المادي الاشتراكي الشمولي في العالم . وبموت الأب تحول التيار الاشتراكي الشمولي إلى يتيم جائع ترك السياسة ليتحول إلى البحث عن لقمة العيش .

4- الشرق الأوسط والأمم الأربعة: العنف وفقدان الأمن والسلام الاجتماعي:

من خارطة تقسيم الجغرافية ومن خارطة تقسيم البشر أيديولوجياً وتقسيم البشر صفاتياً ظهر العنف خلال ثمانين عاماً وكان له أثره المدمر على عملية نمو هذه المجتمعات . وكان من الطبيعي أن يظهر العنف من تلك الخارطة التي خططت بعناية في معاهدة سايكس بيكو والتي لم تكن لإرادة الشعوب أي دور فيها . فكان مسلسلاً رهيباً ترك آثاره البعيدة في مستقبل شعوب هذه المنطقة الحساسة من العالم .

اصطدم التركي بالكردي منذ أن قامت الجمهورية التركية المادية منذ أعوام 1925م – 1928م – 1938م -وأخيراً منذ عام 1984م وحتى الآن عام 2000م . اصطدم الإيراني بالكردي منذ عام 1940م وحتى عام 2000م . واصدم العراقي بالكردي منذ عام 1961م وحتى تاريخه عام 2000م وهناك مشكلات كبيرة تنذر بالانفجار بينها حدودية ومياه . وأخيراً اصطدم العربي بالعربي – غزو الكويت – ثم جاء الاصطدام الجماعي للمنطقة بأممها الاربعة بالعولمة ومازالت آثار هذا الاصطدام القريبة والبعيدة على المنطقة بأكملها . ولم ينتهي المسلسل بعد . لقد ضاع الإنسان في هذه الأمم بين مطالب جغرافيا ومطالب أيديولوجية ومطالب صفاتية . ومع هذه المطالب ضاع الأمن والسلام الاجتماعي وكان التخلف السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي .

لم يعد باستطاعة حكوماتها أن تحكم شعوبها إلا بالقهر والإكراه . ولم تعد شعوبها ترضى بحكوماتها . إن راية العنف تعلو مع كـل
يوم يمر . لم يعد لأي فرد من هذه الأمم أن يؤمن على حياته لا سياسياً ولا اقتصادياً ولا اجتماعياً وبات الخوف من المستقبل يقلق الناس .

بدأ الناس يهاجرون بمئات الآلاف بحثاً عن أي بقعة في العالم تؤمن لهم الأمن والسلام . وفرغت هذه الشعوب من العقول المبدعة تماماً وتحولت الشعوب الأربعة إلى شعوب كمبودارية تابعة يمكن أن تخلق في أي لحظة .

5- ظهور العولمة وتأثيرها على الشرق الأوسط للأمم الأربعة:

ماذا تعني العولمة: العولمة تعني انقلاب الشيطان إلى ملاك . إنها أكبر مفاجئة أظهرها لنا التاريخ . فمنذ ثمانين عاماً من قيام دولنا القومية في منطقتنا ونحن نربي أجيالنا على الكلمات التالية: الاستعماريون – الإمبرياليون – الرجعيون – المستغلون لخيرات الشعوب . كنا ننام ونستيقظ على ترديد الكلمات وكنّا نذّكر العالم بأننا نحن الذين صنعنا الحضارة ونشرنا العدل والمساواة بين الناس وحاربنا الظلم والظالمين ونحن أصحاب رسالة مدنية وحضارة . ها قد نهضنا لنقضي على الاستعمار والإمبريالية ولنخلص العالم من شرهم . والحقيقة التاريخية نقول: فعلاً كانوا شياطين وكانوا استعماريين وإمبرياليين وهم نفسهم كانوا شياطين سايكس بيكو الذين قسمونا وفرقونا وقبلنا بهم ومارسنا السياسة على أساس هذا التقسيم للجغرافية والبشر . ونحن أضفنا تقسيم آخر هو تقسيم الصفات والنعوت وتحولنا نحن مواطنين الأمم الأربعة وبكل بساطة إلى مؤمن وكافر – شريف وخائن – تقدمي ورجعي – انفصالي وإرهابي – واتخذناها فلسفة لنا في الحياة فإذا لم تكن معي أو لم توافق على رأيي أو وجهة نظري فأنت ضدي أنت لست سوى كافر – خائن – رجعي – انفصالي – إرهابي – عميل مخابراتي . لقد أدرنا ظهرنا لكل القيم والمثل العليا والعقائد والمبادئ والتاريخ المشترك والجيرة والعشرة مع بعضنا البعض منذ آلاف السنين ونسينا أن كل عقائدنا ومبادئنا تحذر قتل الأخ لأخيه وأن سفك دم الأخ حرام إلا بالحق وبدأنا نتعامل مع بعضنا البعض بالمطلقات . ولكن بالرغم من كل هذه القيم والمبادئ والمثل العليا والعوامل المشتركة التي نقرأها في كتبنا المقدسة والدنيوية ونرددها شعراً ونثراً وخطاباً . مارسنا العنف وما زلنا نمارسه ونزرع الحقد والكراهية والبغضاء ونزرع الشوك ومن يزرع الشوك لا يحصد سوى الشوك وكان حصاداً رهيباً .

قتل العربي العربي مـن المحيط إلى الخليج في الصراع على السـلطة والمال.

وقـتـل التركي الـتـركي مـنـذ ثـمـانين عاماُ في الـصراع على السلطة والمال .

وقتل الفارسي الفارســي مـنـذ ثمانين عاماً في الـصراع علـى السلطة والـمال.

وقتل العربي والفارسي والتركي معاً الكردي فأنكروا وجوده وتاريخه وحتى التكلم بلغته ودمروا عشرات الألوف من قراه وهّجَروا الملايين واستعملوا الأسلحة الكيماوية لتوضع حلبجة إلى جانب هيروشيما وناغازاكي شوكة في الضمير الإنساني العالمي.

وبالمصلحة .. توقفت عملية التطور والنمو وتحولت كامل الحياة الإنسانية بين شعوب المنطقة وبين أفراد كل شعب إلى مجتمعات الحرب والدمار واختفى الأمن والسلام الاجتماعي وأصبحت المنطقة بكاملها مهيأة لارتكاب مجازر بشرية بعد إدخال أسلحة الدمار الشامل . لقد زرع السياسيون الشوك وبقي على الشعوب أن تحصد .

            كيف ظهرت العولمة : وكيف كانت تعمل؟ وكيف كنا نعمل؟

لا يمكن معرفة ظهور العولمة ما لم نجب على الأسئلة التالية:

1-      كيف كانوا يعملون ؟ وكيف كنا نعمل ؟

2-      ما هي الثوابت الموافقة للعولمة ؟ وما هي ثوابتنا بالمقابل ؟

3-      هل هناك فراغ عندنا بحاجة إلى إملائه أم لا ؟

4-      هل العولمة شيطان جاء بلباس آخر ؟ أم رحمان جاء يخلصنا من العنف ويجبرنا على أن نعيش مع بعضنا كبشر ومع العالم الإنساني .

كيف كانوا يعملون ؟ لم تظهر العولمة فجأة فسواء اعتبرناها نظرية أو مرحلة تاريخية أو حضارية بل ظهرت نتيجة سلسلة طويلة من التفاعلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية .لقد ظهرت العولمة نتيجة ثورة علمية والعلم قوانين فكان ثورتهم ثورة قوانين شملت كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والعلمية والثقافية والاجتماعية والحقوقية والقانونية وبالرغم من ظهور عدة محاولات لانتكاسة تلك الثورات والرجوع بها إلى القديم تمكنوا من الخلاص من تلك الانتكاسات بسرعة مدهشة دفعوا ثمنها غالياً من دماء أبنائها وتخريب حضاراتهم ، لقد أوجدت هذه الثورات في القوانين مناخاً للتطور وفي ظله دار دولاب الإبداع: فزينوا أديم جغرافيتهم بألوف المعامل والمصانع ومراكز الأبحاث العلمية وزادوا إنتاجهم وبذلك أوجدوا مجتمع الوفرة الذي ساد فيه الأمن والسلام بين الناس لم يتركوا شيئاً في البر والبحر والجو إلا ووضعوه تحت المجهر وبدؤوا بكشف أسرار المادة الواحدة تلو الأخرى وبذلك خلقوا تطوراً مادياً وحضارياً فاق كل التاريخ البشري ولكن بنفس الوقت بدؤوا يشعرون بالاختناق من أكوام البضائع المصنعة الهائلة التي أنتجوها فكان لا بد من تصريفها وتصريف البضاعة يحتاج إلى أمكنة فيها فراغ وهكذا وجدوا عندنا الفراغ التام وهاهي للمرة الثانية تندفع إلينا العولمة لتملأ الفراغ .

إن هذا الفراغ الحضاري هو الذي يجلب لنا البلاء في كل مرة وفي هذه المرة يحمل اسم العولمة .

            والعولمة ترافقها حتى الآن الثوابت التالية:

1-      عولمة الاقتصاد والسياسة .

2-      عــولـمــة ديـمـقـــراطـيـة .

3-      عولمــة حـقـوق الإنســـان .

4-      عولـمـة الثقافة .

الفراغ القاتل : إن أي مقارنة بيننا وبينهم تظهر لنا نحن شعوب الشرق الأوسط الفرق الكبير والمخيف في هذه الثوابت الأربعة ونحن لا نملك أي توازن في هذه الثوابت لا سياسياً ولا اقتصاديا ولا ديمقراطياً ولا ثقافياً ولا حقوق الإنسان وهذا يعني أن المنطقة وشعوبنا الأربعة العربية والفارسية والتركية والكردية في حال فراغ تام ولا بد من الاصطدام بالعولمة فإن لم يكن اليوم فغداً أما ماذا ستكون النتيجة فهذا لا يمكنني تحديده كل ما يمكن الاستشهاد به هو مصير يوغسلافيا سابقاً والعراق عندما اصطدم بالعولمة والنتيجة على ما أعتقد واضحاً لكل من يجيد قراءة التاريخ .

كيف كنا نعمل ؟ لقد بدى الغرب مع العولمة بالثورات في القوانين ونحن أيضاً بدأنا بالثورات ولكن ثوراتنا كان في تغيير القبعات والعقال والجلابية والعمامة والحجاب ولنرى كيف تمت تلك الثورات العجيبة الغريبة عن منطق التاريخ ظهرت ثلاثة ثورات:

1-   الثورة الأولى قام بها الأتراك وكان بطلها مصطفى كمال باشا مع تشكيل الجمهورية التركية العلمانية أصدر فرماناً سياسياً وكان مضمونه صنع “شـمقة” تركية بدل من الطربوش العثماني الأحمر واعتقد أنها بهذه الثورة في تغيير القبعة نقل الشعب التركي من القرون الوسطى إلى عصرنا .

2-   وقام العرب بتقليد الأتراك ونحن العرب أدرنا قرص التاريخ بالعكس وأرجعنا شعوبنا إلى لبس العقال والجلابية.. إلى الأصالة . وهكذا تمت ثورتنا .

3-   وأخيراً قام الفرس باستكمال هذه الثورات العجيبة فأصدر الخمينيون فرماناً سياسياً بعودة الشعب الإيراني إلى لبس العمامة والحجاب للمرأة .

وهكذا انتهت ثوراتنا وقامت دولنا بإصدار دساتير وقوانين المحافظة على الشمقة والعقال والجلابية والعمامة والحجاب كهدف استراتيجي بالإضافة إلى الصراع على السلطة والمال .

عاش تسعون بالمائة من أبناء مجتمعاتنا في حالة فقر وجهل ومرض وتخلف حضاري من الصعب معالجة قضاياها المعيشية . فكان من الطبيعي أن يرفض التاريخ مثل هذه الثورات .

لقد قلنا سابقاً إننا لم نفهم التاريخ والتاريخ لم يفهمنا والتاريخ احتار فينا فأوقعنا بكامل أوطاننا وشعوبنا في فراغ حضاري تام ، لقد أعطانا التاريخ فرصة نادرة جداً ثمانون عاماً من الزمن لكي نفهم التاريخ ونسير معاً ونغير لباسنا ولكننا تابعنا ثوراتنا العجيبة وأعتقد أن هذه المرة لا يمكن تحمل مسؤولية اندفاع العولمة إلينا ، بل تقع كامل المسؤولية علينا وأعتقد أيضاً إن لمْ تأتي العولمة إلينا فسنذهب إليها بأرجلنا وهذا ما حصل بالضبط . فبعد حروب طويلة وصراعات سلطوية لم نتمكن من حل أي مشكلة من مشاكلنا ولم نتمكن حتى على حكم أنفسنا بأنفسنا كما يريد لنا التاريخ ، لقد تحولت حياتنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية إلى عداوة يملؤها الحقد والكراهية القاتلة . لقد تركنا شعوبنا دون إبداع تكنولوجي ولا تقوم الحضارة العصرية بدونه . بعد التخلف الاقتصادي بات من المستحيل التكلم عن الديمقراطية أو حقوق الإنسان أو التطور الثقافي ، لقد تحولت ثقافتنا بالكامل إلى ثقافات: المؤمن والكافر – الشريف والخائن – التقدمي والرجعي – والانفصالي والإرهابي . هذه هي منجزات الثوريين والثورات التي قمنا بها ، لقد وصلنا إلى درجة نقول فيها للعولمة: تعالوا فَهموُّنا . الديمقراطية وحقوق الإنسان . أعطونا التكنولوجيا والدواء . فهل من الغرابة أن أعرف العولمة بانقلاب الشيطان إلى ملاك ؟ ولا بد من السؤال : هل نستسلم للموت ؟

أنا أقول: لا.. إن غريزة الحياة أقوى من الموت .

إني أحاول أن أقوم بواجبي باتجاه الأمة العربية وجيراني والإنسانية فأقوم بطرح قوانيني للتعامل مع الواقع ، ربما أستطيع أن أنير الدرب نحو مجتمع الأمن والسلام الاجتماعي .

المنطلقات الأساسية هي:      1- طرح القوانين .             2- وعي القوانين.               3- حرية الاختيار .

هدف القوانين:

1-      الأمن والسلام الاجتماعي بين كل شعب مع نفسه ومع الشعوب العربية والفارسية والتركية والكردية .

2-      من الأمن والســلام الاجتماعي إلى التـخلص من التخلف الحضاري .

3-      بناء الإنسان الحديث ، إنسان التكتل الاقتصادي الذي أظهره التاريخ .

4-      تحقيق العدل بين شــــعوب المنطقــة على أســــاس حقوق الإنســان .

5-      الحوار هو المنهج الحضاري الأمثل بدلاً من منهــج العنف المدمر .

القوانين:

قانون رقم 1- إما أنا وإما أنت .

قانون رقم 2- أنا وأنت .

فلسفة القوانين : تقوم فلسفة القانونين التي أطرحها على كلمتي: أنا وأنت ، أنا إنسان كائن حي وأنت إنسان كائن حي ..ولكي نعيش: أنا بحاجة إلى مأكل وملبس ومسكن وممارسة الحرية . وأنت بحاجة إلى مأكل وملبس ومسكن وممارسة الحرية . كلانا بحاجة إلى العوامل الأربعة قبل أي تسمية أيديولوجية أنا وأنت خلقنا لنعيش معاً اليوم وفي المستقبل سيعيش ولدي وولدك مع بعضهم البعض . لا أنا أستطيع أن أعيش بدونك ، ولا أنت تستطيع أن تعيش بدوني ، ولكي نعيش يجب أن نأكل ونلبس ونمارس الحرية . إن غريزة البقاء والعيش على قيد الحياة تقتضي مني أنا وأنت أن ننتج المأكل والملبس والمسكن ونمارس حريتنا فمهما حاولنا أن نفكر حتى لو بعد ملبون سنة ، ستظل كلمة أنا وأنت لا انفكاك بينهما .إذاً أعترف أن بحقك هو وجودك أنت بالحياة هو الاعتراف بحقي ووجودي أنا بالحياة.. وهذا يعني أن حياتي متعلقة بحياتك والعكس هو الصحيح . إن العامل الهام الذي يجمعنا  هو صفة الإنسان فأنا إنسان وأنت إنسان قبل كل شيء . إذاً التفكير بإنسانيتنا وإيجاد القانون الذي نظم هذه العلاقة هو الذي يحافظ على إنسانيته ، وهنا يكمن لب المشكلة . والحقيقة هنا تلعب الدور الهام: فإما أن نتعاون مع بعضنا على أساس الحقيقة ونكون قد حافظنا على إنسانيتنا . وإما أن نبتعد عن الحقيقة وندخل في صراع مدمر مع بعضنا فنفقد إنسانيتنا وأعتقد أن القوانين تلعب الدور الأساسي في هذه العلاقة الإنسانية .

ومن هنا رأيت أن من واجبي كإنسان أن أطرح قوانيني ربما أكون قد شعلت شمعة لتكون لنا مناراً في طريقنا نحو الحياة الإنسانية التي تليق بنا.

لماذا طرحي للقوانين ؟ إن طرحي لهذا السؤال يفتح المجال لأسئلة أخرى هل هناك فراغ في القوانين بعد مسيرة الإنسانية الطويلة؟ وجوابي : لو لم يكن هناك فراغ .. لو لم يكن هناك ظلام وآلام ومعاناة بحاجة إلى طرح قوانين لما تجرأت على طرح ذلك .

لو كنا نعيش كبشر مع حياة يسودها الأمن والسلام الاجتماعي والرخاء لما كانت هناك حاجة لطرحي للقوانين . فلو فعلت ذلك أو فعل غيري ذلك لما قرأها أحد .

إذاً .. هناك فراغ والطبيعة لا تتحمل الفراغ.. والفراغ الذي لاحظته في السياق التاريخي لمجتمعاتنا بعد قراءتها توصلت إلى رؤية. والرؤية التاريخية تبين لي أن هناك قسمين من الفراغ :

1-      التخلف الاقتصادي وينتج عنه فقر اجتماعي .

2-      يـتـبعه فــقدان الأمـن والســلام الاجــتماعي .

والسؤال: هل يستطيع الإنسان أن يعيش حياة إنسانية دون هذين العاملين ؟ فإذا كان الجواب لا فلماذا فقدنا هذين العاملين في مجتمعاتنا الإنسانية .

لماذا أعطتنا القوانين التي مارس بها أجدادنا وآباؤنا هذا الفراغ ؟

فما دام هناك فراغ فلا بد من قانون للتعامل مع الواقع لإملاء الفراغ ومن هذه الضرورة جاء طرحي للقوانين .

إن طرحي للقوانين لا يحمل الطابع المطلق . يحق لكل إنسان أن يرفضه أو يقبل به . لقد جاءت قوانين زوجية .. إما أنا وإما أنت. وأنا وأنت . يحق لكل إنسان أن يختار القانون الذي يعجبه ويتحمل مسؤوليته . ولكن من واجبي أن أبين الحقيقة بقدر ما أستطيع طالما التزمت برفع رسالة الحقيقة .

وعي القوانين:

القانون رقم 1- إما أنا وإما أنت.

إنه قانون يعتمد على الكم منهجه ميتافيزيقي . التطور عنده زيادة أو نقصان في العدد . إنه قانون الحرب . إما أنا وإما أنت . إما أن أنهي وجودك وإما أن تنهي وجودي . إنه قانون المجتمع الطبيعي . قانون ينشأ عنه مجتمع الندرة ومجتمع الندرة يجري فيه الصراع  على السلطة والحصول على المال كهدف استراتيجي . والصراع على السلطة والمال يصيب المجتمع بمرض الفساد . يتوقف تطور المجتمع سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ويبقي في ركود تام ويكون المجتمع موزع على جبهتين: جبهة السلطة وجبهة المعارضة . وكل ما في الدولة أو الوطن يجري تبادله على الشكل التالي: عندما أكون أنا في سلطة المجتمع بكامله لي ولمن معي. ومن معي لهم كامل الحياة أما الذين معك أنت فهم كفار أو خونة .. رجعيون .. انفصاليون .. لا يحق لهم الحياة . وعندما تأتي أنت إلى السلطة ينقلب الوضع تماماً تصبح الدولة والمجتمع والوطن لك ولمن معك . ينقلب الكافر إلى مؤمن والخائن إلى شريف والرجعي إلى تقدمي . وكل من بقي معي لا يحق لهم الحياة ويجري تبادل الأمكنة بين الأنا والأنت فمكاني هو القصر عندما أكون أنا في السلطة ومكانك أنت في السراديب والظلام . وينقلب الوضع عندما تكون أنت في السلطة وفي ظل ممارسة هذا القانون فالمجتمع بملايينه يعاني البؤس والشقاء والخوف . لا يمكن لي أنا ولا أنت التفكير بهم لأن غريزة الخوف من الموت لا تعطي مجالاً للتفكير بالمجتمع وتطوره وتقدمه . إنه قانون الحق والكراهية بل أنه استيقاظ لكافة الأحاسيس والمشاعر والغرائز المدمرة في نفس الإنسان .

القانون والثقافة: عندما أكون أنا في السلطة تكون ثقافتي هي السائدة: تطبع الكتب وتكتب المجلات والجرائد وكل وسائل الإعلام وتدرس ثقافتي في الجامعات . وعندما تأتي أنت إلى السلطة فتحل ثقافتك محل ثقافتي وتلغى كل ثقافتي وهكذا يدور دولاب الثقافة الوطنية ألغي ثقافتك وتلغي ثقافتي مع كل تبادل للسلطة وتكون النتيجة ثقافة وطنية صفر .

تأثير القانون إما أنا وإما أنت على الأخلاق:

نتيجة انقسام المجتمع إلى جبهتين للحرب: تنشأ أخلاق بالإكراه . فعندما أكون أنا في السلطة فتكون أخلاقي هي السائدة . وعندما تأتي إلى السلطة تلغى أخلاقي وتسود أخلاقك . وفي مثل هذا الجو تكثر الوشايات ويكثر المفسدون . ولكن النفس البشرية فيها من التناقضات الخيرة والشريرة فإن هذا القانون يساعد على إيثار التناقضات الشريرة فتستخدم الوشايات كأسلوب للانتقام من الخصم مهما يكن نوع الخلاف ويفقد الناس ثقتهم ببعضهم ويحل الكذب والغش والنفاق محل الصدق والحقيقة..وتضيع حقيقة الإنسان.. لا تعرفه صديقاً أم عدواً.. كاذباً أم صادقاً.

في ظل هذا القانون: تتحول المفاهيم والأيديولوجيات والدساتير والقوانين إلى مطلقات.. في ظل هذا القانون الرأي الآخر: إما كافر أو خائن أو رجعي أو انفصالي إرهابي .

وينقسم مفهوم الوطنية إلى قسمين: مواطن من الدرجة الأولى ومواطن من الدرجة الثانية .

يعرف المواطن والوطني بقدر طاعته وولائه وانضباطه لي أنا أو لأنت ويختفي التفاعل الثقافي الحر . إنه قانون الصراع المدمر. يسير المجتمع على رجل واحدة: إما رجلي أنا وإما رجلك أنت .

خطورة هذا القانون على الدستور وقوانين الدولة: تتحول كل قوانين الدولة إلى قوانين للتبلي بغية كسب المال . بمجرد اتهام أي إنسان بالمعارضة يعني الموت وغريزة الحياة عند الإنسان تدفع المتهم بكل ما يملك ليخلص نفسه ويكون قانون في هذه الحالة عامل مهم ومثير لكسب المال في هذا القانون يفقد العدل بين الناس فالحق يصبح باطل والباطل حق والخير شر والشر خير والظالم عادل والمظلوم ظالم ويزداد الثري ثراءاً والفقير فقراً ويكثر الفقر ويسود الجهل والتخلف بين الطبقات المسحوقة مما يفتح الباب أمام جرائم فظيعة وتظهر عصابات المافيا . إن العيش في مجتمع تحولت كل نظمه السياسية والاقتصادية والثقافية إلى حياة برغماتية يظهر فيها الخوف من المستقبل حيث لا ضمان صحي ولا تعليمي ولا اجتماعي . كل خيرات الوطن تتحول لخدمة خمسة بالمائة . وخمس وتسعون من الناس في حالة صراع من أجل لقمة العيش . يتحول المجتمع إلى مجتمع ذئاب . إن لم تكن  ذئباً أكلتك الذئاب . يفقد المحبة والوئام والمساعدة بين الناس . في مثل هذا المناخ يفقد الإنسان مسؤوليته تجاه المجتمع والوطن وهو يعرف جيداً أن ما يقدمه بعقله أو جهده للمجتمع والوطن ليس له أي نصيب يفيده في مستقبله فيلجأ إلى حالة من فقدان المسؤولية وبالتالي إلى السلبية . هناك كثير من الأمثلة يمكن ذكرها :

فالمواطن الذي يسكن في بناية طابقية يترك قمامته فوق الدرج أو في مدخل البناية .

والمواطن الذي يمر بجانب شجرة مزروعة في شوارع المدينة يكسرها .

والمدير الذي يغلق باب غرفته ويحولها إلى مضافة لاستقبال زواره . ويغلقه أمام المراجعين . يقف المراجع ساعات طويلة فإذا سأل المراجع عن السبب أجابه البواب: عنده اجتماع .

والموظف الذي يعرقل طلب المواطن بغية الحصول على الرشوة متحججاً بألف حجة . يجبر المواطن أن يراجع أياماً وأياماً تاركاً أعماله وأرزاقه . والمواطن الذي يمزق كرسي الباص . والمواطن الذي يرفع صوت مذياعه . والسائق الذي يضغط على زمور سيارته ، ويصرع الحي بكامله . رجل الأمن الذي يمد يده فوق رؤوس الناس ليأخذ الخبز الناضج ويترك المحروق للناس الواقفين في الطابور ساعات .

كل هذه الحالات السلبية لا يمكن معالجتها بإجراءات قسرية ولا بتوجيه الدعوات والخطب السياسية ولا يمكن معالجتها عن طريق نصوص أيديولوجية.. لا تعالج إلا عن طريق معالجة العامل الاقتصادي . العامل الاقتصادي هو المحرك الرئيسي للحياة بكل أنواعها: السياسية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية والقانونية والوطنية والقومية . والعامل الاقتصادي يعني إيجاد مجتمع الوفرة . ومجتمع الاقتصاد الطبقي لا يخلق مجتمع الوفر . والمجتمع الصناعي هو الذي يخلق مجتمع الوفرة . والعقول المبدعة هي التي تخلق المجتمع الصناعي . والمجتمع الصناعي الوفير هو الذي يقدم الضمانات للحياة . وعندما تتوفر هذه الضمانات للمواطن ويحفظها قانون ، عندها سيتحرر من كوابيسه النفسية ويشعر حيينها بالمسؤولية تجاه المجتمع والوطن . عندها يمكن التكلم عن إنسان حر ومجتمع حر ووطن حر ومزدهر .

إن هذه المكاسب لا يمكن توفيرها في ظل قانون إما أنا وإما أنت . لا يبنى الإنسان بالدعوات والخطابات الحماسية الوطنية أو القومية أو الدينية ، بل يبنى الإنسان والمجتمعات بالقوانين .

ليس هناك عشوائية في الحياة.. كل شيء في الحياة يسير وفق قوانين . والإنسان والمجتمع في ظل قانون إما أنا وإما أنت حياته كلها خوف وقلق . كل شيء في الحياة يسير بالقسر . والإكراه لا عن طريق القناعة . مجتمع خال من القدرات الإبداعية التي لا تستطيع أن تعيش في مجتمع الحرب والخوف والقلق من المستقبل . ليس أمام المبدع سوى طريقتين: إما الهجرة السلبية . في ظل قانون إما أنا وإما أنت يسود الكم ويهاجر النوع .

2- القانون رقم 2- أنا وأنت:

وعي القانون: هويته: إنسان . تكوينه : أنا وأنت . أنا + أنت مجتمع . لكي نحيا يجب أن نأكل ونلبس ونسكن ونمارس حريتنا مع بعضنا البعض في المجتمع . لا مجتمع بدون حريتي وحريتك . حريتي وحريتك يعني مجتمع الوفرة . إذا أنهيت حريتك أو أنهيت حريتي يعني مجتمع الندرة . كلانا خلقنا مختلفين بيولوجياً وفيزيولوجياً وسيكولوجياً . وسنشكل المجتمع مختلفين كلانا بحكم الضرورة مجبرين لأن نعمل في المجتمع لننتج المأكل والملبس والمسكن . فإما أن نعمل معاً بشكل عشوائي ، وإما أن نعمل معاً بقانون . إن قبولي بك وقبولك بي كما أنا بيولوجياً وسيكولوجياً وكما أنت هو جوهر هذا القانون .

مشكلة الحقيقة والقانون: الحقيقة لا أملكها أنا ولا تملكها أنت . الحقيقة نسبية والحقيقة موضوعية ، هذا القانون لا يقبل الحقيقة المطلقة . ننظر ونتعامل مع الواقع بنظرتين مختلفتين . فإذا فَرضْتُ عليك نظرتي أو فَرضْتَ عليَّ نظرتك خرجنا من الحقيقة النسبية إلى الحقيقة المطلقة . ونكون قد ألغينا القانون ورجعنا إلى القانون إما أنا وإما أنت والنتيجة معروفة . الحقيقة تظهر في الممارسة . والممارسة هي التي تبين الحقيقة الموضوعية . والحقيقة الموضوعية عندما تظهر نبني عليها حياتنا الاجتماعية ونمارس فيها حياتنا الإنسانية بالأمن والسلام .

إن الحقيقة الموضوعية لها منهج واحد هو المنهج الديالكتيكي . والمنهج الديالكتيكي هو السيادة للنوع . التطور فيه تبدل متغير في الأنواع بشكل مستمر . هذا التطور والتغير ينشأ من قانون صراع الأضداد يحتاج إلى مناخ للحرية . أنا وأنت هما العنصران المتضادان للقانون . أنا مختلف عنك بيولوجياً وفيزيولوجياً وسيكولوجياً . أنا لي حريتي وأنت لك حريتك . فإن منعت حريتك أو منعت حريتي انتهى القانون لأن أحد المتضادين قد ألغي . إن قبولي بك كما أنت وقبولك بي كما أنا يعني استكمال القانون . وعندها نتعامل مع الواقع الطبيعي لصنع التاريخ . وعندما نكتشف الحقيقة حسب وجهة نظري أو حسب وجهة نظرك تكون فيها المنفعة لكلانا . وكلانا يعني المجتمع . والمجتمع يتقدم بالحقيقة .

نستطيع أن نقول إن الحرية هي أم القانون : أنا وأنت ووالده العلم.

من أمة الحرية ووالده العلم يحصل الحمل ويولد مجتمع الوفرة فيه شفاء لكل الناس . هذا القانون رايته الحقيقة .. وعندما نقول الحقيقة قد يفهم منه أنه مجتمع الملائكة . والحقيقة من وجهة نظري ليست هكذا ..

الحقيقة هو أن يعيش كل إنسان بحرية كما خلق ويعبر ويختار ويعيش بعقله وأحاسيسه وأخلاقه سواء أكانت فطرية أم مكتسبة . أن يعيش مع المجتمع كما هو مختلف وفق قانون الصراع الديالكتيكي فالإنسان الصادق يجب أن يعيش صادقاً . والإنسان الكاذب يجب أن يعيش كاذباً . والإنسان الموهوب والمبدع عليه أن يعيش كما هو .

والغبي عليه أن يعيش حياته بحُرية . والحرية أم الكل .

كل المنابر الإعلامية من قول وإذاعة وصحافة يجب أن تكون مفتوحة أمام الصادق والكاذب والمبدع والغبي على السواء . كلما احترمنا الحرية وساد مناخها يحدث اللقاح والحمل من قبل أبيه العلم ويولد مجتمع الوفرة .

كل ثقافاتنا تخبرنا أن الصدق أفضل من الكذب . فنحيي الصدق ونقتل الكذب وكانت النتيجة التخلف ومجتمع الندرة . ترى لماذا ولد التخلف ؟ ولم يولد التطور ؟ ذلك هو الخطأ الذي نرتكبه في فهم الحقيقة . قلت إن قانون ” أنا وأنت ” منهجه ديالكتيكي . والديالكتيكية تتألف من ثلاث أركان أساسية لا يمكن إلغاء واحد منها وإلا بطل القانون :

1-      وحدة وصراع الأضداد .

2-      تحول الكم إلى الكيف ” النوع ” .

3-      نفي النفي.

وبناءاً عليه فإن أهمية الكذب تعادل أهمية الصدق بالنسبة للقانون .

وأهمية الذكــي كأهمية الغبي . وأهمية الأبيض كأهمية الأســود .

وأهمية الكــردي كأهـمـية الـعربـي والفارســـــــي والـتركـــــي .

ففي عالم الطبيعة المادة الجامدة لا يمكن أن تكشف أسرارها دون معرفة أهمية متضاداتها الداخلية .

وفي عالم الاجتماع الإنساني تنشأ حالة اجتماعية متطورة من المتضادات والتطور في عالم الاجتماع ينشأ مع التعامل الثقافي المتضاد . وليس في الهيمنة أو القومية أو الدينية أو الحزبية . أي أن التفاعل المتضاد بين العقول . ومن العقول تصدر أفكار ونظريات وفرضيات مختلفة . وكل عقل يرى أنه يملك الحقيقة ولكن قانون أنا وأنت وخلال الممارسة مع الواقع تظهر الحقيقة الموضوعية وعندها يمكن للسياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي أن يبني على الحقيقة أهدافه الاستراتيجية ويمارس تكتيكاته وتكون النتيجة مضمونة . وتبعاً لذلك : فالصدق ضده الكذب والجودة ضدها الغش والذكي ضده الغبي والشجاع ضده الجبان والصواب ضده الخطأ . وهكذا يكون الواقع . لم يخلق أي شيء عن عبث فلكلٍ دوره في الحياة . ويجب أن يعيش المرء في الحياة كما هو بحُّرية . فقانون الصراع الديالكتيكي قانون أبدي لا يمكن إلغاءه من الوجود ، ولكن يمكن إيقافه بفعل خطأ يمكن تقسيم قانون الصراع الديالكتيكي إلى قسمين :  1- الصراع المدمر.

2- الصراع الــبناء.

1-   الصراع المدمر ووعيه: ينشأ الصراع المدمر عندما تلغى بالقسر والإكراه أو الترغيب أحد متضادات القانون الديالكتيكي وهذا يعني قتل أم القانون: الحرية . عندما نحيي الصدق ونقتل الكذب ويبقى القانون دون التضاد فينام الصدق ويحدث التخلف والعكس صحيح . عندما نحيي الكذب عن طريق قانون إما أنا وإما أنت نقتل الصدق فينام الكذب .

لأن القانون يبقى بدون تضاد فيحدث التخلف وعندها يسير المجتمع بخط مستقيم . وخط التطور لا يسير بخط مستقيم بل بشكل حلزوني . إن منع الحرية لأحد طرفي الصراع: الصدق والكذب يعني تحول الصراع إلى صراع مدمر . وبالتالي تخلف سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي . إن معيشة التناقض مع الواقع بحقيقته كما هو مخلوق هو سر التطور بكامله . ففي عالم السياسة عندما نطلق صفة المؤمن والكافر ، الشريف والخائن ، التقدمي والرجعي ، الانفصالي والإرهابي يقتل القانون يعني التخلف . وعندما يصاب المجتمع بالتخلف يصاب بالمرض . إن قتل القانون يعني قتل متضاداته الحيوية . فلم يعد يعمل القانون . إن وعي القوانين ضروري كضرورة الهواء والماء والمأكل للإنسان . وإن ممارسة عشوائية دون وعي القوانين يعني الانتحار الجماعي .

 

في حال فقدان الحرية ماذا يحدث؟

هنا يلعب العامل السياسي دوره الهام والخطير في تنظيم عملية التوازن بين متضادات وتنظيمها . إذا فقد الحرية عن طريق العامل السياسي أو أي عامل أيديولوجي فنتيجة ذلك هو فقدان الحقيقة . لأن الممارسات دون حقيقة ينشأ عنها مجتمع الندرة . فإذا حل عامل الإكراه محل عامل الإقناع تضيع الحقيقة وتكون الممارسة عشوائية . لنرجع إلى المثال: الكذب والصدق وبالتالي الكاذب والصادق . إن لم ندع الكاذب يعيش بحُرية ، أي أكرهناه على الصدق تحول إلى إنسان غير حقيقي . هو يفقد جوهره: كاذب وفي شكله صادق.. يأتيك صادقاً أميناً وفياً ومطيعاً ولكن هذه الصفات غير متوفرة في الكاذب . عندما يجبر الوسط الاجتماعي الكاذب بفعل عامل سياسي وأيديولوجي على الصدق عندها يتصرف بسلوكين مع الواقع: إما خوفاً أو طمعاً وتختفي شخصيته الحقيقية الفطرية وتبقى شخصيته المكتسبة ، ولنفرض أنه احتل مركزاً سياسياً مرموقاً لإدارة حياة المجتمع والوطن بشخصية الغير حقيقية المكتسبة فلا بد من أن الكارثة ستقع على المجتمع بأكمله . ولكن المصيبة تقع عندما يحاول الوسط الاجتماعي السياسي أو الأيديولوجي الصادق إلى منافق الذي هو أمل المجتمع ليكون مثالاً للناس . بذلك تضيع الأخلاق الاجتماعية بالكامل .

ولكن كيف يحدث هذا؟ إن الإنسان الصادق إنسان مبدئي في أخلاقه ويملك القدرة العقلية للإبداع . ولكن كونه إنسان يحتاج إلى مأكل وملبس ومسكن وممارسة حرية . وعندما يجبر الوسط الاجتماعي على وقف القانون الديالكتيكي لمتضادته الحقيقية على الصراع يتحول القانون الديالكتيكي إلى قانون صراع مدمر . لكون الناس لا يعيشون حياتهم الحقيقة فيحتل الكذب بحيله المواقع القيادية ويستغل موقعه للإثراء السريع غير مبال بحياة المجتمع ككل وبذلك يستطيع أن يلبي كافة متطلباته العصرية . وهكذا يحظى باحترام الناس . لأن الناس في المجتمعات العصرية وفي ظل القانون إما أنا وإما أنت يقدرون الإنسان بما يملك من مال لا يملك من قدرات إبداعية أو أخلاقية سامية وصدق .

هذا النجاح للكاذب يفتح الباب لآلاف الناس بل للملايين أن يسلكوا مسلكه . ومن لم يسلك هذا المسلك يموت جوعاً وسيعيش محتقراً أو مجنوناً بين الناس مهما كان مبدعاً أو صادقاً أو خلوقاً . ولكن الصادق يرى كل هذا أمام عينيه وهو يملك كل الكفاءات والقدرات . لكن ومع ذلك لا يحتل أي موقع وحتى السلام لا يلقى عليه فيقع تحت ضغط العامل النفسي . الصادق يملك القوة العقلية للإبداع واللسان معاً . عندها يضع إشارة إكس على العقل ويبدأ بتحريك لسانه فيلعب دور شاعر البلاط: التضخيم والتبجيل وفبركة الواقع المتخلف أي تزييف الحقيقة الموضوعية تماماً شعراً ونثراً وخطاباً ، وبذلك يحصل على كيس النقود وعندها يتمكن من تلبية متطلباته الحياتية ويحظى باحترام الناس . أما الصادق الثوري الذي يدرس حركة التاريخ باستمرار ويقرأ التاريخ ويقدم رؤية تاريخية ويظهر حقيقة المتغيرات في حركة التاريخ . يظهر نقده القديم الذي ولى زمانه ويبين الجديد الذي له الحياة . هذا الصادق يبقى مهمشاً ومحارباً ومضطهداً وجائعاً . وهو أيضاً يقع تحت ضغط المتطلبات الحياتية . ولكن مشاعره الوطنية الصادقة تجبره أن يتحمل ضغط الواقع دون أن يتحول إلى شاعر بلاط ويظل مبدئياً حتى ولو ألقي في السجن أو هاجر من وطنه. وهنا فنحن أما ثلاث نماذج إنسانية:

1-      إنسان احتل موقعاً مسؤولاً ليس بمؤهلاته العلمية وقدراته وكفاءاته وبذلك أصبح قدوة لغيره .

2-      إنسان كان مبدئياً وله كافة المؤهلات والقدرات ولكن الوسط الاجتماعي أجبره على تغيير سلوكه وحصل على ما أراد .

3-      إنسان بقي محافظاً على مبادئه ووقع تحت ضغط حاجاته ولكنه صمد وهاجر فاقداً أغلى ما يملكه الإنسان “الوطن”.

النماذج الثلاثة بحاجة إلى مأكل وملبس ومسكن . اثنان انحرفا وأمنا لنفسيهما المأكل والملبس والمسكن على حساب تدمير المجتمع . والثالث لم ينحرف ولكنه هاجر وطنه . وهذه هي نتيجة العشوائية .

ترى لماذا ينحرف الإنسان ؟ مجتمع الندرة والخصوصية الشرقية . الصراع بين لماذا والخصوصية والإنسان الشرقي .
إن الإنسان الشرقي كالغربي ، لا خصوصية في ذلك ولا فرق بين إنسان وآخر مهما يكن جنسه أو لونه أو صفاته . ولكن هناك فرق بين مجتمع وآخر:

1-      مجتمع يستطيع أن بقدم المأكل والملبس والمسكن وممارسة الحرية: مجتمع الوفرة .

2-      مجتمع لا يستطيع أن يقدم ذلك… مجتمع الندرة .

والفرق بين إنسان مجتمع الوفرة وإنسان مجتمع الندرة ليس بيولوجياً ولا عقلياً بل الفرق في العوامل التالية:

1-   مجتمع يجيد قراءة التاريخ وله رؤية تاريخية ويرسم أهدافه الاستراتيجية ويمارس تكتيكاته وفق قوانين علمية فيكون من نصبيه مجتمع الوفرة .

2-      ومجتمع لا يجيد قراءة التاريخ وبالتالي لا رؤية له يمارس تكتيكاته بشكل عشوائي بدون قوانين ويكون من نصيبه مجتمع الندرة .

مجتمع الندرة وأسباب انحراف الإنسان: الإنسان الشرقي ولماذات ” جمع لماذا ” زوجته وأولاده إنذارات الحياة وأنف جاره مرفوع . الأب قبل أن يخرج إلى عمله يتلقى المحاضرات التالية من زوجته: لماذا يوجد عند جارنا تلفزيون ملون وبراد وغسالة أوتوماتيك وسيارة…. ولماذا لا يوجد عندنا أليس نحن بشر مثلهم ؟ فيجيب الأب: لنا خصوصيتنا .

الولد: لماذا يا بابا لا تأخذنا إلى البحر؟ ولماذا لا تشتري لي دراجة وكمبيوتر ؟ لماذا يوجد عند ابن الجيران كل هذا ولا يوجد عندنا ؟ ويجيب الأب: لنا خصوصياتنا .

البنت: لماذا يا بابا لا تشتري لي فستان الموضة والتنورة وحذاء كعب عالي… لماذا بنت الجيران عندها كل ذلك ولا يوجد عندنا؟ فيجيب الأب: لنا خصوصياتنا.

الولد الآخر: لماذا يا بابا جاء جابي الماء والكهرباء والهاتف وقطعها علينا ؟ لماذا لا تدفع الفواتير ؟ فيجيب الأب: لنا خصوصياتنا.

ويخرج الأب من البيت ليلتقي بجاره الذي يحاول تشغيل سيارته ويدير وجهه جاعلاً من نفسه أنه لا يراه كي لا يتلقى السلام منه وبعد قليل يلتقي الجار الذي لم يتلقى منه السلام بجاره الآخر الذي يملك مثله سيارة فيتبادلان السلام والتحية والعتاب وعلى الرأس والعين .

الإنسان الشرقي ومجتمع الندرة وعامل الضغط النفسي: هاهي وسائل الإعلام تنقل إلينا وسائل علمية مؤكدة وموثوقة تخبرنا وتقول: مع مرور كل دقيقتين يقدم العلماء أحدث الاختراعات يصنعها الصانع ويطرحونها في الأسواق ، كل هذه الإبداعات ضرورية ولا يمكن للإنسان في عالم اليوم أن يعيش بدونها .

وهذا يعني أن مسلسل لماذات زوجته وأولاده وإنذارات الحياة ورفع أنف جاره سيرتفع وسيزداد مع مرور كل دقيقتين ويعني أن مسلسل التذرع بالخصوصيات سيطول . والحياة العصرية تتطلب منه أن يلبي متطلبات أسرته . إن التذرع بمنطق الخصوصية لا يحل المشكلة . فيقع الإنسان الشرقي في مجتمع الندرة تحت ضغط العامل النفسي ويضعه أمام خيارين:

1- الانتحار.         2- أو الحصول على المال . لكن غريزة الحياة أقوى فالحل الثاني هو البديل . وهكذا يضع أمامه هدفاً استراتيجياً هو الحصول على المال . ويبدأ بممارسة تكتيكاته . فيتحرر ويستطلع عن مقتنيات جاره وجار جاره للأدوات العصرية. وكيف تمكن جاره من بناء فيلا وامتلك السيارة والعقارات والرصيد في البنوك بهذه السرعة المدهشة . عجباً ! ما دمــنا نعيش في مجتمع واحد في ظل اقتصاد متخلف بالكاد أن يحصل الإنسان على لقمة العيش . فيحصل على المعلومات التالية:

1-      عن طريق السياسـة ” الفســـاد “.

2-      عن طريق النصب ” الاحتيال “.

3-      عن طريق تهريب المـمنوعات .

4-      عــــن طــريــق الســـــــرقـــة .

5-      ترخيص العرض ” الشــرف ” .

الحصول على المال بهذه الطريقة وخطرها على المجتمع والأخلاق:

وإنـمــا الأمــم الأخــلاق مـا بـقـيـت    فـــــإن ذهـبــت أخـلاقـهـم ذهــبــوا

شاعر عربي

1-   الحصول على المال عن طريق السياسة “يعني الفساد” والفساد مرض خطير عندما يصاب به مجتمع ما يدمره . فينقلب الأبيض أسود والأسود أبيض . والحق باطل والباطل حق . والظالم عادل والمظلوم ظالم . والإنسان غير المناسب في المكان المناسب وللحصول على كرسي السياسة عليك أن تدفع لكي ترجع ما دفعته في السابق أضعافاً مضاعفة . وهكذا ينقلب القانون بكامله ضد المجتمع .

2-   عن طريق النصب والاحتيال: يأتيك صديقاً أو أخاً أو مظلوماً . ابنه مريض وزوجته على حافة الموت ، يطلب منك مساعدة مالية فتعطيه فيدير ظهره لك إلى الأبد .

3-   إن لم تحصل على كرسي في السياسة أو عن طريق النصب والاحتيال فلا بد من تهريب الممنوعات حتى لو تم تسميم ملايين الناس أو تخريب اقتصاد الوطن .

4-   الحصول على المال عن طريق السرقة يحول المجتمع إلى غابة ويسمع الناس حوادث رهيبة ويذهب ضحيتها أناس أبرياء وينتشر الخوف والرعب بين الناس .

5-   وأما الضغط النفسي للإنسان في مجتمع الندرة ولماذات زوجته وأولاده وإنذارات الحياة وأنف جاره مرفوع فإذا لم يسعفه الحظ في الحصول على المال بالطريقة السابقة لا يبقى أمامه سوى طريق واحدة وأخيرة هو ترخيص عرضه وبذلك يشرف المجتمع بكامله وخصوصياته إلى النهاية . ولم يعد بحاجة إلا إلى طلقة الرحمة .

هذه المسالك الخمسة تدمر في طريقها الأخلاق الوطنية والقومية والدين وكل القيم والمثل العليا للإنسان وتظهر إلى الوجود كل الصفات والغرائز الشريرة في الإنسان: الكذب – النفاق – الحيلة – المؤامرات – الدسيسة – الوشاية – قتل الروح – الوجدان – وتخلق أرضية رهيبة للعنف ليتحول المجتمع بكامله إلى حقل يبس زرعه ولا يحتاج إلى شعلة ليلتهب الحقل بالكامل فيحرق الأخضر واليابس . ولنأتي إلى نهاية الحوار بين لماذا والخصوصية . ترى أيهما أقوى ؟.

طريق الخلاص: هو إيجاد مجتمع الوفرة وقانون أنا وأنت ومنهجه الديالكتيكي هو القانون الذي يخلص المجتمع ويخلق الأمن والسلام الاجتماعي . القانون أنا وأنت ومجتمع متعدد القوميات:

1-   إن مجتمع المكون من قوميتين أو أكثر يعني أن هناك ثقافة متنوعة . وهذا التنوع الثقافي في ظل ممارسة القانون إما أنا وإما أنت يلعب دور قانون الصراع المدمر للمجتمع . فالقومية المهيمنة سواء أكانت أيديولوجيتها دينية أو دنيوية تحدد مفهوم المواطن على أساس القومية أو العرق أو الدين أو المذهب وتكون كل من العناصر الثقافية والحقوق للقومية الأخرى محظوراً . ففي الوقت الذي تحاول ثقافة القومية المهيمنة أن تقضي على ثقافة القومية المحظورة تلعب ثقافة القومية المظلومة دور المعرقل لنمو ثقافة متطورة ومتجددة للثقافة القومية الظالمة فتتحجر كل مفاهيم ثقافة القومية المهنية لأنها كلها مكرسـة للثقافة التسلطية والهيمنة . ولهذا نرى دائماً وأبداً أن الدول ذات القوميات المتعددة متخلفة عن الركب الحضاري وروح العصر المتجددة في كل النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وهنالك أمثلة كثيرة يمكن الاستشهاد بها: الاتحاد السوفيتي سابقاً ويوغسلافيا وتركيا وإيران والعراق والسودان والجزائر والهند والصين . كل هذه الدول وغيرها معرضة للتفكك والتخلف طال الزمن أم قصر. لأن المجتمعات العصرية ومتطلباتها لم تعد تتحمل كثيراً من الوقت . وهذا يعني أن التي تفككت والتي في طريقها التفكك كانت تمارس قانون إما أنا وإما أنت .

2-   أما المجتمعات المتعددة القوميات وثقافاتها في ظل قانون أنا وأنت والتنوع الثقافي فيها يلعب دور قانون الصراع البناء . إن مفهوم المواطن يختلف في ظل هذا القانون ويكون كالآتي : هو المواطن الذي يقدم من عقله وجهده للمجتمع بصرف النظر عن قوميته أو دينه أو عرقه أو لونه . إن ثقافة ولغة وقومية المواطن مصانة بدستور ولا قومية مهيمنة ولا ظالمة ولا مظلومة فيتم التفاعل الثقافي بين القوميات بشكل حر . فإبداع الذي يقدمه أي مواطن يعرف باسم وطنه وتكون مشكلة الاضطهاد أو التسلط محلولة . وطبيعي أن يسود الأمن والسلام الاجتماعي حيث مناخ الحرية الذي يساعد على الإبداع وبذلك تنشأ حركة تفاعل ثقافي حضاري سياسي واقتصادي واجتماعي قائم على المشاركة الطوعية . ولا يمكن فصلها عن بعضها البعض ومثال ذلك: سويسرا كما بينت ذلك سابقاً وتكون نتيجة هذا التفاعل الثقافي مجتمع الوفرة وفيه شفاء للكل.

القضية الكردية وقانون أنا وأنت:

لقد رحل الاستعمار الغربي عن الشرق الأوسط سياسياً وعسكرياً ولكنه خَلف ورائه مجتمعات في غاية التعقيد: العربية والفارسية والتركية والكردية . مجتمعات متعددة القومية: قومية مهيمنة وقومية مظلومة . وكان الكردية القاٍسم المشترك للمجتمعات العربية والفارسية والتركية لقد تعامل مفكرون ومثقفون الذين كانوا يفتقرون إلى قراءة التاريخ والرؤية التاريخية مع هذا الوضع وفق قانون إما أنا وإما أنت فكانت النتيجة مجتمعات الندرة . وأعتقد أني بينت نتائج هذا القانون بالتفصيل . فبالرغم من أن الشعب الكردي يملك كامل المشروعية التاريخية حرم من المشروعية القانونية وخضع لمشروعية القوة . وكل ذلك كان مقصود والهدف كان تدمير أي حركة نمو سياسي أو اقتصادي وثقافي للمجتمع العربي والفارسي والتركي . وهذا ما حصل بالضبط فلم تنعم هذه المجتمعات بالاستقرار السياسي ولا التطور الاقتصادي ولا الثقافي منذ ثمانين عاماً . فلو أحصينا عدد الانقلابات العسكرية والصراع على السلطة والمال والذين قتلوا أو أعدموا أو الذين هربوا أو هاجروا واغتيلوا لبلَغ الملايين. وكذلك لو أحصينا بناء السجون والمعتقلات التي قامت في المنطقة فهي أكثر عدداً من الجامعات ومراكز البحث العلمي . ناهيك عن الانقسام في الصف الوطني وفقدان الأمن والسلام الاجتماعي وزرع الحقد والكراهية وسيطرة العقلية والعشائرية في الانتقام بين الناس . وبالرغم من امتلاك جغرافية الشرق الأوسط للخيارات الكثيرة فهي تؤهلها لكي تحتل مكانتها الحضارية في العالم المعاصر . بدلاً من كل ذلك انشغلت المنطقة بكاملها ومنذ ثمانين عاماً في صراع مدمر وفق قانون: إما أنا وإما أنت . إما العربي وإما الكردي . إما الفارسي وإما الكردي . إما التركي وإما الكردي . والعولمة اليوم تدق أبوابنا ونحن ما زلنا مصرين على تدمير الذات وفق القانون إما أنا وإما أنت وهو قانون المجتمع الطبيعي الذي ولى زمانه ومكانه .

وهاهي المجتمعات العالمية تبني نفسها لتتكيف مع المجتمعات التي أظهرها التاريخ: مجتمعات التكتلات الاقتصادية الجبارة .

وبناءاً على قراءة التاريخ والرؤية التاريخية لقانون المرحلة التاريخية المعاشة أرى أن صوت التاريخ ينادينا ويقول لنا:

أخي العربي والفارسي والتركي غيروا لباسكم . وأقول إن مستقبلنا في المنطقة بات يفرض علينا أن نعيش معاً بأمن وسلام اجتماعي.

والتفاعل الثقافي هو الذي سينقذنا من المستقبل المجهول . أرى ضرورة الاعتراف بوجود الشعب الكردي كما هو كحقيقة موضوعية ورفع الخطر من اللغة الكردية وفتح فروع لتعليم اللغة الكردية في الجامعات وبث قنوات تلفزيونية باللغة الكردية والسماح للشعب الكردي أن يصدر صحفاً ومجلات باللغة الكردية . ونكون بذلك قد أضفنا رافد كبير إلى روافد الثقافة العربية والفارسية والتركية والشرق أوسطية للأمم الأربعة . ونكون أيضاً قد وضعنا حجر الأساس للأمن والسلام الاجتماعي في المنطقة بأكملها لنسير معاً نحو بناء التكتيلات الاقتصادية التي هي طريق الخلاص .

وأخيراً أرى من واجبي أن أذكر وقد تنفع المؤمنين الذكرى… أخي العربي والفارسي والتركي إن حبي لكم وحبي للوطن والإنسانية يجعلني أقوم بواجبي لأذكركم . إن قراءتي للتاريخ ورؤيتي له وإحساسي يخبرني من أنكم سوف تتعاملون بالقانون إما أنا وإما أنت لمدة طويلة أخرى . ويبدوا أن شهوة السلطة والمال مازالت قوية أقوى من الحياة الإنسانية الكريمة لشعوبنا . ولحين ظهور ديغول الخلاص .

وإنيِّ أرى تباشير ظهور ديغول الخلاص تلوح في الأفق . ومن الصعب عليكم التخلص وبسهولة من عقلية المجتمع الطبيعي . وستجرون على مجتمعاتكم وأوطانكم الويلات والكوارث . وبالنتيجة سيجبركم التاريخ لتضعوا حبل المشنقة حول أعناقكم لأنكم لم تغيروا ألبستكم التاريخية التي رماها التاريخ .

إن حبي لكم يدعوني للرجاء منكم ألا تشنقوا أنفسكم . وتذكروا ما كتبته لكم في طريق الحقيقة ( 1 – 2 – 3 ) وما هي الرابعة وقد تجدون فيها خلاصكم من حبل المشنقة إن الحياة أجمل من الموت .

وإلى اللقاء في الحلقة القادمة من طريق الحقيقة رقم – 5 –

حلب في

2000/8/20مـ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

أبو إلياس – طريق الحقيقة رقم 31

طريق الحقيقة رقم 31 موضوع الحلقة: هل امريكا هي القطب الوحيد الغير منازع لمئة سنة قادمة. ول…