‫الرئيسية‬ طريق الحقيقة أبو إلياس – طريق الحقيقة رقم 6

أبو إلياس – طريق الحقيقة رقم 6

طريق الحقيقة رقم -6-

1- سمة العصر (( العلم )) وكيف ندركه .

2- الصراع بين الأذكياء والأغبياء .

3- التناقض الرئيسي ” الإنتاج ”

4- الصراع يبن مجتمع إنتاج الحنطة والشعير ومجتمع إنتاج السيارة والطيارة والإلكترون .

5- الإستراتيجية والتكتيك وبناء الإنسان و طريق الحل .

6- القضية الكردية في منظور الاستراتيجية والتكتيك .

1ً- سمة العصر” العلم ” وكيف ندركه ؟

أهمية العلم: للأمانة التاريخية أود أن أبين أهم ما كتبه المفكرون في الشرق والغرب عن أهمية العلم ودوره في التحولات الهائلة التي طرأت على التاريخ العالمي وأنا أضم صوتي إلى أصواتهم علها تتحول إلى صرخة تساعدنا على أن نصحوا من غفوتنا لمجابهة الواقع ولنتقدم إلى الأمام لمواكبة التاريخ العالمي الذي تحرك قطاره بصورة مسرعة مع حلول القرن الحادي والعشرين .

الثورة العلمية وأهميتها وخطورتها وأهمية إدراكها :

نعيش اليوم في عصر الصراع بين العلم والجهل . إن الثورة العلمية التكنيكية التي تزداد يوماً بعد يوم تمس نتائجها الإجتماعية العميقة العالم بأسره كل دقيقتين . ولا شك فإن هذه الثورة العلمية ستسفر عن قضايا اجتماعية اقتصادية وسياسية وفكرية وثقافية جديدة ذات تنوع هائل .

ومع مرور الأيام ستخلق بصورة متزايدة احتدام التناقضات الاجتماعية الداخلية في كل مجتمعات العالم الثالث المتخلف أياً كان مكانه وزمانه . وستشد بصورة مأساوية التضاد بين الناس الذين يتمتعون بخيرات الإنتاج وتلك هي التي ستحرم من تلك الخيرات.

لقد بات واضحاً وجليلاً عمق واتساع وطابع العواقب الاجتماعية للثورة العلمية التكنيكية وذلك يتوقف على مدى استيعاب الناس للعلاقات الاقتصادية والسياسية والايديولوجية .

كننت قد ذكرت في طريق الحقيقة رقم ” 5″ أنه لم يعد أحد يستطيع أن يخفي قرعته عن أحد مهما تكن شعاراته دينية أم دنيوية . إن هذه الثورة العلمية لم تقتصر على تعقد الحياة الاجتماعية وزيادة تناقضاتها فقط بل تعدت آثار هذه الثورة إلى تعقد العملية التاريخية برمتها . ولكون الناس يصنعون التاريخ اجتماعياً فلا شك ستتعقد كافة الصلات والعلاقات الملموسة بين الناس وعلاقاتهم مع الطبيعة التي يقومون بتحويلها في السياق التاريخي .

لقد بات الإنسان أمام تعقيدات وتغييرات هائلة مع نفسه.. مع نشاطه التطبيقي ومع عالمه الروحي ووعيه .. مع سيكولوجيته وتركيب حاجياته . مع أحلامه وبواعثه وكل تصرفاته . كل هذه الأمور جلبت هذا العصر.. عصر العلم الذي لا مفر من إدراكه . إذا كنا نريد الحياة الحرة الكريمة في هذه البقعة من العالم .

2ً- الصراع بين الأذكياء والأغبياء:

إذا كانت سمة العصر هو الصراع بين العلم والجهل.. وإذا كان العلم يعني الذكاء والذكاء يعني الإبداع . والجهل يعني الغباء يعني الثبات.. السكون والتكرار حياة كلها صورة طبق الأصل.. هذا يعني أن سمة العصر وضعتنا أمام قانون للصراع من نوع جديد.. هو صراع الأذكياء والأغبياء .

ترى…ماذا يعني العلم ؟

لقد عرف العلم بأنه قوانين تسير بنا ولا نسيرها ، وهي قوانين موضوعية أي لا سلطان للإنسان عليها .

فالطبيعة لها قوانينها الخاصة والمجتمع له قوانينه الخاصة ، والفكر له قوانينه الخاصة ، ويتوقف مصير الإنسان: تقدمه أو تخلفه على إدراك هذه القوانين . والسؤال هو: كيف يمكن أن ندرك أو نكتشف هذه القوانين ما دامت حياتنا حاضراً ومستقبلاً تتوقف على إدراك هذه القوانين . ترى هل هي من مهمة الأذكياء أم الأغبياء ؟ فإذا كانت الثورة العلمية التكنيكية قد خلقت كل هذه المتغيرات الهائلة والتي لا مفر منها: نراها ونلمسها ونحسها.. ترى ! هل هذه الثورة العلمية هي من صنع الأذكياء أم الأغبياء ؟ وهنا تبرز أمامنا أكبر مشكلة… والسؤال التالي يوضح لنا المشكلة:

ترى من يقول عن نفسه أنا غبي ؟.

فإذا نادى منادياً وقال: يا أيها الناس تعالوا اصنعوا لنا مجتمعاً متطوراً إن خلق مثل هذا المجتمع يحتاج إلى ناس أذكياء.. لا شك كلهم سيأتون أي 99.99.. هذا الرقم المحبب إلى قلوب مجتمعات العالم الثالث.. العالم المتخلف.. سيقولون: لبيك أيها المنادي ها نحن قد جئنا.

والسؤال العلمي الذي لا بد منه: هل فعلاً أن 99.99 كلهم أذكياء ؟ إلى درجة أنهم سيخلقون لنا مجتمعاًَ متطوراً: ..

فإذا كان الجواب العلمي”لا” فلا يمكن أن يكونوا كلهم أذكياء وهذا المجتمع الخيالي لا وجود له. والسؤال: كيف يمكن معرفة ذلك؟.

هل هناك قانون ما يمكن أن يفرز الأذكياء عن الأغبياء ولنحاول الإجابة على هذا السؤال ولنرى فيما إذا كان يمكن تأجيل ذلك.

الجذور التاريخية لظهور هذا القانون وضرورة الفرز:

الفرق بين الإنسان القديم : إنسان الجهل.

والإنسان الجديد : إنسان العلم.

الإنسان القديم: إنسان الجهل حياته.. حاجياته.. أدواته وسيكولوجيته: رحم الله زماناً كان فيه هادئ البال مرتاح النفس يقول آمين لكل ما يقال له راضياً بحاجاته البسيطة مقيداً بعاداته وتقاليده التي أورثها حياته المقلدة والمكررة .رحم الله زماناً كان التعاطف والتآلف والمحبة والمودة سائدة بين الناس . لم يكن يعرف الغش والكذب والنصب والاحتيال والتفاوت الطبقي الفاحش إلا قليلاً . كان القمل والبرغوث يأكل جلده ، يغطي جسمه بقطعة قماش هي للصيف والشتاء.. للربيع والخريف . مأكله وملبسه ومسكنه  بما تجود عليه الطبيعة. رحم الله زماناً كان كل همه ضبط المرأة وكأنها شيطان جاء ليفسد الأرض ولخلق الفتنة بين الرجال . يلفها بالملحفة والحجاب يخبؤها عن أعين الناس ممنوع عليها أن ترى الدنيا وأن تستنشق الهواء إلا من وراء الأكمام هي الناموس.. وهي العرض والشرف. هي الحضارة والمدنية والتقدم والتخلف وهي الجهل والعلم . الويل لها إن ضبطت وهي تكلم رجلاً . جزاؤها القتل والاحتقار.. ومع ذلك كان يشعر براحة نفسية يصارع الطبيعة بشمسها الحارقة وبردها القارس. لا يخشى من المستقبل لأنه كان قانعاً بما يملك والقناعة كنز لا يفنى.

الإنسان الجديد.. إنسان العلم: حياته – حاجياته – أدواته وسيكولوجيته: وفجأة تغيرت كل حاجته: حاجياته وأدواته ملبسه ومسكنه وتغيرت معه سيكولوجيته . فإذا به أمام حاجيات ليس لها أول ولا آخر: إذا أمن البراد نقصه التلفزيون والتلفون والكومبيوتر والإلكترون والسيارة والجرار…الخ .

لم يعد باستطاعته العيش في مسكن مبني من الحجارة والطين والخشب. أصبح يريد الفيلا والأصناف الشهية على مائدة الطعام.

لم يعد باستطاعته تحمل حياة الأمية .. عليه أن يرسل أولاده إلى المدرسة مهما كان عددهم ذكوراً وإناثاً . عليه أن يؤمن لهم مستلزماتهم المدرسية من الروضة وحتى الجامعة . لأن العلم نور والأمي في الزمان الذي حل كالأعمى لا يستطيع أن يسير خطوة واحدة دون علم .

لقد حل عصر جديد طير النوم من عينيه وحرمه راحة البال يمشي كالسكران يكافح ويجاهد كي يؤمن كل شيء. أفراد أسرته يطلبون منه الكثير والمجتمع لا يرحم من لا يملك كل شيء . الكل يريد أن يحظى بمكانة اقتصادية ومكانة معنوية ليحظى باحترام الناس وإلا سيكون محروماً حتى من السلام .

كل المقاييس الإنسانية تغيرت . والمقياس الوحيد هو بما يملك الإنسان في جيبه . فإذا كان في جيبك قرشاً فأنت تساوي قرشاً . وإن كان في جيبك ألف ليرة فأنت تساوي ألف ليرة . السوق أصبح مثيراً للغاية ترى فيه الأشكال والألوان.. كل ذلك يثير في نفس الإنسان غريزة التملك فإما أن تحصل عليها وإما أن تموت حزناً وكدراً.. كل ذلك بالمال المال هو الدواء لكل شيء..

المال – المال..المال لا شيء سوى المال.. لا حديث سوى المال ..ولا ثقافة سوى المال …ولا سياسة سوى المال …الخ…

فمن أين نحصل على المال ؟…

3- التناقض الرئيسي للعصر هو الإنتاج : والتغييرات التي حدثت : .

تحتل عملية الإنتاج المرتبة الأولى لمجمل الحياة الاجتماعية ويتوقف حل كل التناقضات الأخرى على حل هذا التناقض.

إن المجتمع دائماً وأبداً في كل زمان ومكان هو حقل من التناقضات والمشاكل . وفي كل مرحلة من المراحل التاريخية يلعب  الإنتاج دور التناقض الرئيسي في حياة الناس. والإنتاج هو عملية نشاط بين الإنسان والطبيعة . ونتيجة لهذا النشاط يتم خلق كل تلك الأدوات والأشياء التي يستخدمها الناس في حياتهم والتي بفضلها يمكن بناء المجال الحيوي :  المجتمع أولاً والوطن ثانياً.

إن الطبيعة لا تعطي هذه الأدوات والأشياء الجاهزة . ولا يمكن صنع هذه الأدوات إلا بعد معرفة قوانين الطبيعة الفيزيائية والكيميائية والجيولوجية والبيولوجية والهندسية والميكانيكية الخ… وهنا يبرز دور الإنسان الذكي .. والممارسة التطبيقية تفرز الذكي من الغبي .

وهنا تبرز الحاجة والضرورة التاريخية إلى استراتيجية لبناء الإنسان . إنسان العلم ذلك الإنسان الجديد . والإنسان هو أكبر قيمة في هذا العالم .

ترى ؟ ما هي الاستراتيجية التي يمكن بها بناء الإنسان الذي يتعامل مع الطبيعة والمجتمع والفكر ؟ إن صراع الإنسان مع الطبيعة صراع أبدي من خلال عملية الإنتاج . فبفضل عملية الإنتاج تطرأ على أدوات الطبيعة تغيرات جوهرية هامة للغاية.

إن جملة الأدوات والأشياء التي يصنعها الإنسان في مجرى عملية الإنتاج تشكل عنصراً ضرورياً أولياً في الحياة الاجتماعية – عنصراً من عناصر التاريخ . إن هذه الأشياء والأدوات المادية تصبح عنصراً من عناصر الحياة الاجتماعية وتصبح حاجات إنسانية واقعية تقوم بالوظائف المتعددة في حياة الناس . أهمية اجتماعية معينة فيها روح اجتماعية .

لو لا الإنتاج لما تطور الإنسان بكافة نواحيه : معارفه ومؤهلاته والقدرة على التفكير وخلق الأفكار .                           الإنتاج هو الامتحان الذي يفرز الذكي من الغبي .

إن بناء الإنسان على أساس العقيدة أو الحزب أو الطبقة أو الوطن أو المجتمع والطاعة والولاء كلها لا تبني الإنسان .

وعلى أساس الإنتاج والتفاعل الإنتاجي تولد أشكال المعاشرة بين الناس: ارتباطهم مع بعضهم البعض . وبموجب ديناميكية الإنتاج تظهر أشكال مختلفة من التنظيم الاجتماعي . وعملية الإنتاج هي السبب في تغيير المجال الحيوي: الأول المجتمع والثاني الوطن تبعاً لقانون المرحلة التاريخية الملموسة وهي أخطر مشكلة تجابه شعوب العالم الثالث بأكمله .

إن وعي هذه المشكلة يتوقف عليها مستقبل العالم الثالث بأكمله .

4- مجتمع إنتاج “الحنطة والشعير” المجتمع الطبيعي ومجتمع الطيارة والسيارة والإلكترون المجتمع الصناعي.

انقسم صراع الإنسان مع الطبيعة في عملية الإنتاج إلى مرحلتين تاريخيتين:

  1. مرحلة الصراع الإنتاجي الطبيعي “الحنطة والشعير”
  2. مرحلة الصراع الإنتاجي الصناعي “السيارة والطيارة والإلكترون” .

وبالتالي هناك إنسانين مختلفين كلياً عن بعضهما البعض .

ولكون الإنسان عاقلاً له عقل يفكر به ويرسم أهدافه ويمارس نشاطه ويصنع التاريخ وينتج من الطبيعة إذن هناك عقليتين :

  1. عقلية الإنتاج الطبيعي –  “عقلية الحنطة والشعير”
  2. عقلية الإنتاج الصناعي – “عقلية السيارة والطيارة والإلكترون”.

ولما كان الإنتاج هو التناقض الرئيسي في كل زمان ومكان فكل العوامل الروحية الأخرى تتبع عقلية الإنتاج . فالسياسة والفلسفة والثقافة والفن والاستراتيجية والتكتيك كلها تمثل الإنتاج . الهيكل العظمي لهذه العوامل .

فإذا تغير الهيكل العظمي فمن الضروري أن يتغير إكساؤه . فإكساء العوامل الروحية لإنتاج الحنطة والشعير على هيكل إنتاج السيارة والطيارة والإلكترون فهذا يعني اختلاف الشكل والمضمون وينتج عن هذه العملية إيقاف نمو الهيكل العظمي وإصابته بالأوجاع والآلام التي تسبب موت الهيكل .

ولهذا نجد الناس في مجتمعنا اليوم يشكون ويتذمرون من هذه الدنيا العجيبة والزمان الغريب ويتنبئون بقرب يوم القيامة . فنراهم يشكون من قلة الناموس وفقدان المحبة والمودة بين الناس وإساءة الأمانة والتكبر والكذب وصراع المصالح الشخصية . كل هذه الأمراض والأوجاع التي يشكو منها سببها تغيير عملية الإنتاج .

فلو أحصينا المنافع والفوائد التي جناها الإنسان من الأدوات والأشياء المادية والحضارية التي خلقتها عقلية الإنتاج الصناعي لتبين أنها لا تقدر بثمن.. فقد وفرت الراحة وخلصت الإنسان من التعب والشقاء بنسبة 90%.

مثال بسيط: السيارة: إن مقارنة استعمال السيارة مع الحمار أو البغل أو الحصان في المواصلات ونقل البضائع والإنتاج لوجدنا أن الفرق كبير جداً وهكذا بالنسبة للطيارة والإلكترون ..الخ فإذن لماذا الشكوى والتذمر؟…

ليست الأدوات والأشياء الحضارية التي صنعها مجتمع الإنتاج الصناعي هي السبب في بؤس الناس بل الحقيقة تكمن في عدم تغيير عقليتهم من عقلية إنتاج الحنطة والشعير إلى عقلية إنتاج السيارة والطيارة والإلكترون .

فما زلنا نمارس السياسة ونرسم استراتيجيات وتكتيكات وننظر إلى الدنيا بفلسفة عقلية إنتاج الحنطة والشعير .

وما زلنا ننظر إلى المرأة ونتعامل معها بعقلية الحنطة والشعير..الخ…

وبالرغم من أننا نستخدم كل الأدوات العصرية من سيارة وطيارة والإلكترون ونملكها عن طريق الاستيراد ولكننا نتعامل مع هذه الأدوات بعقلية الحنطة والشعير . ثم نبرر تخلفنا إلى الاستعمار والإمبريالية والصهيونية أو الرجعية الخ…

نحن الذين نصنع تاريخنا بأيدينا وعقولنا وليست الإمبريالية ولا الرجعية والصهيونية. إنهم بلا شك يريدون أن نكون متخلفون في كل شيء. وما دمنا متخلفين سيأتون إلينا ولن يتركونا نائمين ومرتاحي البال .

لقد ذكرت أهمية المال ودوره في حياة الإنسان . فكيف يمكن تأمين المال لشراء هذه المتطلبات والأدوات العصرية .؟

ونتيجة الثورة العلمية والتكنيكية التي حدثت وتحول العالم إلى قرية صغيرة أصبح من الممكن وبكل سهولة استيراد هذه المواد . والمشكلة نكمن في إيجاد المال .

فإنتاج الحنطة والشعير لا يمكن أن يوفر المال اللازم لشراء هذه الأدوات على الإطلاق. وعندها ستقع الكارثة: فإما حرب أهلية أو حرب خارجية. وبذلك ينحرف كل العامل السياسي عن خطه الطبيعي. وعندها لا يمكن تأمين الأمن والاستقرار الاجتماعي إلا بالقسر والإكراه وهذا يعني سحق الحرية تماماً والنتيجة مزيد من التخلف والألم والإحباط واليأس . لا يمكن حل هذه المشكلة. إلا بإنتاج هذه الأدوات والأشياء. إن استيراد هذه الأدوات سيزيد من آلامنا وتخلفنا وسنفقد إرادتنا في تقرير مصيرنا ولن نحظى بمجتمع أمن وسلام ولا بوطن حر ومزدهر ولا بإنتاج وفير .

أعتقد أنه لا يوجد أحمق واحد لا يريد أن يعيش في مجتمع أمن وسلام ووطن مزدهر . لكن ليس بالأحلام ولا بممارسة استراتيجيات وتكتيكات خاطئة تبني مجتمعات وأوطان حرة ومتطورة. إن اتهام الناس وكل من يبحث عن الحقيقة بالخيانة والعمالة لا تحل مشكلة من مشاكل العصر. لا شيء يصمد وينتصر في النهاية سوى الحقيقة .

والحقيقة لا يملكها أحد. بالحقيقة نبني إنساننا ونبني مجتمعنا ووطننا . بالحقيقة نزيل تخلفنا ونجابه الإمبريالية والصهيونية والرجعية .

بالحقيقة ننتصر.. وبدون الحقيقة ننهزم.

2- مجتمع إنتاج السيارة والطيارة والإلكترون:

لقد ظهرت المقدمات الموضوعية المادية لمجتمع الإنتاج الصناعي في منطقتنا وأطل علينا بعد الحرب العالمية الأولى والثانية وخلال القرن العشرين بكامله. والميول التاريخية في عملية الإنتاج مع بداية القرن الحادي والعشرين تتجه بسرعة مدهشة نحو الأتمتة نتيجة لظهور كثير من العلوم المساعدة لذلك .

إن كل ذلك يتطلب أناساً أذكياء. عقولاً مبدعة يقودوا السفينة إلى بر الأمان. ما من شعب أو أمة خالية من الأذكياء والأغبياء والمشكلة تكمن في فرزهم عن بعضهم ليحتل كل إنسان مكانه المناسب .

ومازالت كل شعوب العالم الثالث وشعوبنا من ضمن هذه الشعوب تتخبط مع مجتمعاتها ولا نستطيع الخلاص من عقلية مجتمع إنتاج الحنطة والشعير. لا الرسمي ولا المعارض.

لقد علت صيحات المفكرين والفلاسفة والمثقفين مطالبين بضرورة التغيير ولكن لا أذن تسمع ولا عين ترى وكأننا نعيش في عالم الطرشان .

التاريخ العالمي يسير ونحن نتخلف عنه يوماً بعد يوم ، نجابه تحديات هائلة وخطيرة: التحدي التاريخي والتحدي الإنتاجي والتفاوت الحضاري لا نملك أي سلاح ندافع به عن أنفسنا أمام هذه التحديات.

ما زلنا نحلم أنه بإمكاننا أن نسير أمورنا وفق عقلية إنتاج الحنطة والشعير ومع إطلالة كل صباح نحتاج لتأمين حاجيات ومتطلبات لملايين من أبناء شعوبنا. لم يعد باستطاعة أي إنسان أن يعيش بدون هذه الأدوات والأشياء. كل هذا يحتاج إلى المال. ولا بد من العودة إلى سؤالنا السابق.. أين المال ؟.

ترى من سينجدنا ؟ ومن أين ستأتي النجدة ؟

لقد خطط لنا سياسيونا كثيراً من الاستراتيجيات والتكتيكات وهتفوا بكثير من الشعارات وحلمنا طوال قرن من الزمن ولم تأتْ النجدة . فإذا كانت تلك الاستراتيجيات والتكتيكات والشعارات لا تستطيع تأمين المأكل والملبس والمسكن والحرية لنا طوال قرن كامل ترى… هل سننتظر قرناً آخر حتى تأتينا النجدة ؟ السكان يزدادون مع مرور كل يوم وحاجاتهم تزداد . وإنساننا هو ذاك الإنسان بعقليته واستراتيجيته وتكتيكاته . وهذا يعني أن أحلامنا في حياة سعيدة وأمن وسلام اجتماعي ووطن مزدهر بحاجة إلى قرن آخر .

5- استراتيجية وتكتيك وبناء الإنسان وطرق الحل :

لقد ظهر حتى الآن في السياق التاريخي استراتيجيتان وتكتيكان في الممارسة العملية الاجتماعية التاريخية .

  1. وطن حر أولاً ومجتمع حر ثانياً وفرد حر ثالثاً .
  2. فرد حر أولاً ومجتمع حر ثانياً ووطن حر ثالثاً .

وبالتالي انقسم بناء الإنسان وفق هاتين الاستراتيجيتين.

1ً- فلسفة الاستراتيجية الأولى للممارسة التطبيقية مع التاريخ وبناء الإنسان:

تقوم فلسفة هذه الاستراتيجية في الممارسة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية على مفاهيم ميتافيزيقية:

الوطن – المجتمع – الطبقة – الحزب – الحرية – العدالة … الخ ..

إن هذه المفاهيم الميتافيزيقية لا تصنع تاريخاً ولا تستطيع أن تعبر عن نفسها . ليس لها طول ولا حجم ولا مشاعر وأحاسيس ومع ذلك نمارس الاستراتيجية والتكتيك بأسمائها . فلا هي تستطيع أن تجيب إذا سئلت عن رضائها أو رفضها . لقد تحولت هذه المفاهيم إلى مقدسات وتلك هي الخطورة . إن أي إنسان بإمكانه أن يدعي بأنه يحافظ على الوطن والمجتمع أو الحزب أو الطبقة… ويرسم استراتيجية ويمارس تكتيكاً بأسمائها مهما تكن مؤهلاته الحقيقية: ذكياً كان أم غبياً .

فمن الناحية الاقتصادية “الإنتاج” في السياق التاريخي لم يستطع أن يتجاوز أو يخرج من مجتمع الإنتاج الطبيعي “الحنطة والشعير” .ومن الناحية العلمية لم يستطع عقله التوجه إلى المادة ليكتشف أسرارها وبقي عقله أسير نظرة ميتافيزيقية وشمل هذا كل نواحيه الروحية . ومع مرور كل يوم تزداد المسافة بينه وبين الإنتاج الصناعي وبالتالي بقي الإنسان أسيراً لهذه الإستراتيجية ولذلك نرى أن هدوءاً تاماً سيطر على خط سير التاريخ لمدة طويلة من الزمن .

وظهر انعطاف تاريخي هام جداً.. فإلى جانب الإنتاج الطبيعي ظهر إنتاج آخر مناقض هو الإنتاج الصناعي بعد أن تحرر العقل من النظرة الفلسفية الميتافيزيقية .

وبذلك أصبحا نقيضين لبعضهما البعض مادياً و روحياً .

النظرة المثالية وقوانينها الميتافيزيقية والنظرة المادية وقوانينها الديالكتيكية .

وكان لا بد من ظهور استراتيجية جديدة و تكتيك جديد للإنتاج وبناء الإنسان . و هكذا ظهرت الإستراتيجية الثانية .

2- فرد حر أولاً ومجتمع حر ثانياً ووطن حر ثالثاً:

نتيجة لظهور الإنتاج الصناعي في السياق التاريخي حدثت تغيرات هائلة قلبت كل الحياة الإنسانية رأساً على عقب من كل النواحي: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية . وكان من الطبيعي أن يبني الإنسان نفسه وفق هذه المتغيرات وكان بناء الفرد أولاً وبناء المجتمع ثانياً والوطن ثالثاً .

والذي أجبر الإنسان على قلب الاستراتيجية هو ” الإنتاج ” .

فالإنتاج الصناعي يقتضي التعامل مع واقع مادي في الطبيعة وفي المجتمع مع إنسان مادي كجسم له وزن و طول وحجم وله عقل ولسان يمكن أن يعبر عن نفسه ويتحقق من ممارساته . فالقوانين المادية المكتشفة أعطت أشياء مادية يمكن لمسها والتحقق منها مع خواصها الفيزيائية والكيميائية والهندسية   الخ….

وهكذا ظهرت مشكلة بناء الإنسان كضرورة تاريخية وهذا يتلاءم مع الواقع المادي الذي ظهر . وأصبح جمال وحسان وحسن وعمر ..الخ .. كذات لأساس المجتمع وكذات لبناء الوطن . وهكذا يمكن كشف الحقيقة عند رسم استراتيجية وممارسة التكتيك سواء في السياسة أو الاقتصادية أو الثقافة .

فعندما نسأل جمال وحسان وعمر وحسن الخ … عندها يمكن أن نتأكد من أن كم من جمال وحسان وعمر موافقون أم رافضون . وعندها يمكن معرفة أي توازن اجتماعي يسود بين الناس .

فالمجتمع ليس سوى مفهوم ميتافيزيقي وهو عبارة عن جميع جمال وحسان وحسن وعمر الخ… والمفاهيم الميتافيزيقية مجالات حيوية يمارس فيها جمال وحسان وحسن وعمر نشاطه المادي و الروحي . فإذا شطبنا جمال وحسان وحسن وعمر وعندها لا بيقى شيء اسمه مجتمع و لا طبقة و لا حزب الخ … ومجموع جمال وحسان وحسن وعمر يقومون معاً بعملية الإنتاج على بقعة جغرافية تسمى ((الوطن)) وهو المجال الحيوي الثاني . وهم يمارسون السياسة والفلسفة والفن والاقتصاد الخ… هم مختلفون في كل شيء ونقائض لبعضهم البعض . إن كل استراتيجية تطرح لبناء الإنسان لا تراعي هذا الاختلاف فهذا يعني إلغاء الواقع برمته

طريق الخلاص :

هناك استراتيجيتان لبناء الإنسان :

  1. بناء الإنسان على أساس مفاهيم ميتافيزيقية .
  2. بناء الإنسان على أساس ما هو موجود فعلاً.

1ً- بناء الإنسان على أساس مفاهيم ميتافيزيقية : يعني قراءة الواقع بالمقلوب وبالتالي تكون جميع ممارساتنا بالمقلوب وتؤدي إلى نتيجة واحدة هو الفساد .

فبدلاً من أن تكون السياسة مـــن أجل الإنسان    يكون الإنسان من أجل السياسة.

وأن يكون الاقتصاد مـن أجل الإنسان     يكون الإنسان من أجل الاقتصاد.

وأن يكون المجتمع مــن أجل الإنسان     يكون الإنسان من أجل المجتمع.

وأن يكون الحزب مـــن أجل الإنسان     يكون الإنسان من أجل الحزب.

وأن يكون الوطن مــــن أجل الإنسان     يكون الإنسان من أجل الوطن.

والخ… وعلى هذا الأساس فلا قيمة للإنسان الفرد وبذلك يكون الآخر مخالفاً مكروهاً وبالتالي يربى الإنسان على رفض النقيض . فلدى دراسة ثقافة شعوب العالم الثالث ونحن الشعوب الأربعة العربية والفارسية والتركية والكردية من ضمن هذه الشعوب نرى أن كل إنسان مبني على عدم قبول الآخر على النطاق السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي بكامله . ولهذا نرى كلمة العمالة والخيانة للإمبريالية والصهيونية والرجعية تشمل كل ثقافتنا . وخطاباتنا . وهذا يعني أن كل فرد يملك الحقيقة المطلقة وحاكم للآخر وإن رفض حكمه تحول إلى خائن وعميل وجاسوس . وهكذا يكون كل تعامله في الحياة الاجتماعية: مع زوجته وأولاده وجيرانه وفي المدرسة والجامعة والوظيفة .

2ً-إستراتيجية بناء الإنسان حسب ما هو موجود فعلاً ويمكن التأكد منه:

إن جمال وحسن وحسين وعمر هم أناس موجودون فعلاً. وإن جمال نقيض حسان وحسان نقيض حسن وحسن نقيض عمر الخ…إن هذه السلسة من النقائض يقومون معاً بعملية الإنتاج المادي والروحي . وهنا يبرز دور المفاهيم المثالية في تنظيم هذه السلسلة من النقائض الواقعية الحقيقية . وهنا تقوم المفاهيم المثالية والميتافيزيقية بدورين معاكسين في تنظيم وتطوير هذه السلسلة من النقائض. فإذا أساء الإنسان فهم هذه السلسلة من التناقضات دمر المجال الحيوي للإنسان: المجتمع أولاً والوطن ثانياً .

وإن أحسن فهم المفاهيم المثالية وبنى إدراكه على دراسة علمية معللة ساد الأمن والسلام الاجتماعي بين الناس وأصبح الوطن مزدهراً والإنتاج وفيراً.

إن جميع المفاهيم والميتافيزيقية بدءاً من السياسة والحرية والطبقة والمجتمع والحزب… لا تصنع السيارة والطيارة ولا الجرارات والأدوية. ولكن الذين يصنعون كل ذلك هم أناس حقيقيين: جمال وحسان وحسن وعمر…. إن رسم استراتيجية بناء الفرد أولاً والمجتمع ثانياً والوطن ثالثاً هي الاستراتيجية التي تلاءم المجتمع القائم على الإنتاج الصناعي.

وهنا يبرز دور المفهوم الميتافيزيقي ( الحرية ) والحرية هنا تعني احتفاظ الفرد بنقائضه مع الآخر دون قسر أو إكراه.

المفهوم الميتافيزيقي الآخر “الحقيقة” تلعب دورها في عملية الإبداع وتفرز الذكي من الغبي عندها يأخذ كل فرد مكانه المناسب سواء في السياسة أو الاقتصاد أو الإنتاج أو الإعلام . ويكون مبدأ تكافؤ الفرص متاح أمام كل فرد كحق طبيعي مهما يكن لونه وجنسيته وقوميته ومبدؤه.لا فيتو ضد أحد مهما يكن رأيه أو نظرته الفلسفية.فإن حرم الإنسان من المشاركة باسم مفاهيم ميتافيزيقية باسم الحزب أو الطبقة أو القوم والمذهب واللون فهذا يعني اختلال التوازن بين الناس وينتج عن ذلك العنف .

لا يمكن التعامل مع إنتاج المجتمع الصناعي إلا وفق استراتيجية بناء الفرد أولاً والمجتمع ثانياً والوطن ثالثاً . إن أي استراتيجية لا يمكن أن تنجح ما لم تأخذ مشروعيتها من جمال وحسان وحسن وعمر… واتخذ شكل ميثاق فيه حق الأكثرية وحق الأقلية في التعبير .

هناك منهجين للسلوك والتعامل مع الواقع ولهما نتائج مختلفة:

1- حوار السلاح                  2- حوار الفكر والجدل الديالكتيكي.

إن الاستراتيجية الأولى: بناء الوطن أولاً والمجتمع ثانياً والفرد ثالثاً لا يمكن تطبيقها إلا عن طريق حوار السلاح وينتج عن هذا تدمير المجال الحيوي الأول المجتمع والثاني الوطن .

والاستراتيجية الثانية: بناء الفرد أولاً والمجتمع ثانياً والوطن ثالثاً لا يمكن تطبيقها إلا عن طريق حوار الفكر الديالكتيكي وينتج عنه بناء المجال الحيوي الأول المجتمع مجتمع الأمن والسلام والابداع وبناء المجال الحيوي الثاني الوطن المزدهر والإنتاج الوفير.

وبذلك نجد إنسانين مختلفين:

إنسان حوار السلاح.. إنسان الحقد والكراهية والحرب .

وإنسان حوار الفكر الديالكتيكي ويعني إنسان الإبداع والحب والسلام والبناء .

وأخيراً لنسأل: ترى هل ما كتبت من استراتيجيات وبناء الإنسان شيء خيالي طوباوي لا يمكن تحقيقه ؟

وإليكم الدليل: أمثلة أقدمها للقارئ من السياق التاريخي خلال القرن العشرين:

لقد حلم الساسة اليابانيون يوماً ورسموا استراتيجيتهم وفق مفاهيم ميتافيزيقية وعلى أساس وطن حر أولاً ومجتمع حر ثانياً وفرد حر ثالثاً ونظموا جيوشاً جرارة أطلقوها نحو شرق قارة آسيا ونزلوا فيها قتلاً وتدميراً . وانقلبت أحلامهم كابوساً عليهم وكاد يزول الشعب الياباني من الوجود ولكنهم قلبوا نتيجتهم إلى بناء الفرد أولاً والمجتمع ثانياً والوطن ثالثً فأعطاهم التاريخ ما أرادوه هم اليوم يطرقون باب العالم كله بإبداعاتهم الصناعية ويحظون باحترام العالم أجمع.

وحلم الساسة الألمان أيضاً ورسموا استراتيجيتهم على مفاهيم عرقية وانقلبت أحلامهم إلى كابوس مرعب . لم تسلم ولا قرية من التدمير والخراب وأوشك مجتمعهم ووطنهم على الزوال من التاريخ وقد دلت الإحصائيات بعد الحرب العالمية الثانية أن لكل سبعة نساء رجل واحد . ثم قلبوا استراتيجيتهم . وهاهم يطرقون باب العالم بإبداعاتهم الصناعية المتطورة وعلومهم . وكان لهم ما أرادوا . وحلم الساسة الصرب أيضاً بهيمنة قوميتهم على الشعوب الأخرى وانقلبت أحلامهم إلى كوابيس وضاع كل ما بنوه خلال القرن العشرين.

وحلم السوفيت وفق مفهوم الطبقة وانقلبت أحلامهم إلى كوابيس وضاع كل ما بنوه خلال القرن العشرين . وهكذا حلم الساسة في العراق وإيران وتركيا وانقلبت أحلامهم إلى كوابيس لا يعرفون كيف يتخلصوا منها .

إن كل هذه الدلائل تشير بأنه لا يمكن لأحد مناطحة ومعاندة حكم التاريخ على الإطلاق وأن التاريخ عملاق جبار له قوانينه الخاصة. وكل من لا يدرك قوانينه يجر على نفسه الويل والدمار . ترى هل يمكن أن نأخذ درساً من التاريخ ونحاول أن نفهمه ؟.
طريق الحل:

أخي العربي والفارسي والتركي والكردي إنك أمام خيارين:

  1. الوطن أولاً والمجتمع ثانياً والفرد ثالثاً.
  2. الفرد أولاً والمجتمع ثانياً والوطن ثالثاً.

لا يمكن الممارسة بدون رسم هدف استراتيجي ولا يمكن ممارسة التكتيك بدون رسم استراتيجية ولا يمكن تحقيق الاستراتيجية وممارسة التكتيك بدون بناء الإنسان الذي يحقق ذلك.

أمامك خيارين: إما بناء الإنسان وفق إنتاج مجتمع الحنطة والشعير والنتيجة معروفة كما بينتها . وإما بناء الإنسان وفق إنتاج مجتمع السيارة والطيارة والإلكترون والنتيجة معروفة. ولك كل الحرية في أن تختار ما يناسبك ولكن يجب أن تدرك سلفاً أن أي تلاعب مع التاريخ أمر خطير . إن التاريخ لا يرضخ للقوة ولا للخداع والتضليل .

6- القضية الكردية في منظور الإستراتيجية والتكتيك :

مقدمة : من الأدب الشعبي الكردي : تقول حكمة كردية: إذا مربك إنسان وقال لك يا فلان إن طربوشك ليس على رأسك ثم مرَّ ثانٍ وقال لك : يا فلان إن طربوشك ليس على رأسك ثم مرّ ثالث وقال لك : يا فلان إن طربوشك ليس على رأسك وتقول الحكمة: يا فلان في المرة الثالثة يجب أن تمد يدك إلى طربوشك حتى ولو كنت متأكداً من وجوده على رأسك . نعم كم نحن بحاجة إلى هذه الحكمة اليوم ونحن في بداية القرن الحادي و العشرين .

لقد كتبت حتى الآن منذ ” دوحة الحرية ” في مسلسل طريق الحقيقة رقم 1-2-3-4-5- وهاهي السادسة . وأمام هذه التغير الهائل الذي حدث في التاريخ العالمي منادياً بضرورة التغيير ورسم استراتيجيات وممارسة تكتيكات وبناء الإنسان وفق هذه المتغيرات محذراًَ من أن طوفان نوح آخر سيحل بنا ومشيراً للعربي والفارسي والتركي والكردي إن طربوشكم ليس على رأسكم أيها السادة . ومع الأسف حتى الآن لا أحد يمد يده إلى طربوشه ليتأكد من وجوده . ومازلنا نتعامل مع القرن الحادي والعشرين بنفس استراتيجيات وتكتيكات القرن العشرين.ننظر إلى الدنيا بنفس عقلية الحنطة والشعير.

فمشاكلنا السياسية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تكثر مع مرور كل يوم وتتراكم . لقد تحولت كل أمراضنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلى سرطان لا يمكن معالجته .

لقد قلت دائماً وأبداً أن التناقض الرئيسي السياسي هو التناقض الكردي وإن التناقض الذي يجمع العربي والفارسي والتركي والكردي مع التاريخ هو التناقض الإنتاجي. هذا التناقض هو الذي يحدد تطورنا وتخلفنا بالنسبة للتاريخ العالمي .

ولا يمكن حل التناقض الإنتاجي دون حل التناقض السياسي الكردي .

وكنت قد قلت أننا في الشرق الأوسط بحاجة إلى ديغول عربي وفارسي وتركي لحل هذا التناقض . لقد حل ديغول فرنسا مشكلته مع الجزائر وأنقذ شعبه ووطنه من الانهيار . ونحن أيضاً نحتاج اليوم إلى مثل هؤلاء الرجال الشجعان . ليخلصونا من الهلاك . ولكن ما زلنا سائرين في طريق الهلاك وما زلنا لا نمد يدنا إلى طربوشنا لنتأكد من وجوده على رأسنا . ترى .. هل كنت مصيباً في تنبؤاتي في مسلسل طريق الحقيقة ؟. تعالوا معي لنقرأ التاريخ .

بدءاً من المشهد العربي:

ثلاثمائة مليون من العرب ومساحة هائلة من الجغرافية ممتدة من الخليج إلى المحيط . ينابيع بترول كثيرة ومع ذلك الشعب العربي يهاجر شمالاً وجنوباً وغرباً يبحث عن لقمة العيش أو هرباً من الاضطهاد السياسي والتخلف الاجتماعي.

اثنان وعشرين دولة . بجيوشها ومخابراتها وزعمائها وعلى مسافة بضعة أمتار يذبح شعب عربي فلسطيني كالنعاج ولا أحد يستطيع أن ينجده ويخلصه من الذبح .

وما زال إنتاج الحنطة والشعير سائداً في اقتصادنا ونحن ندخل القرن الحادي والعشرين ذاهبون إلى أميركا وعائدون منها نبحث عن الحلول لمشاكلنا . ترى لماذا حدث هذا ؟.

المشهد التركي : قال حكيم للقرد: اسكت أيها القرد فإن لم تسكت فالله سبحانه وتعالى سيغضب منك ويمسخك فرد القرد: لا لن أسكت وماذا لو غضب الله سبحانه وتعالى علي ماذا يريد أن يفعل بي هل يقلبني إنساناً وهل هناك أمسخ من القرد؟.

لقد سجن الساسة الأتراك نصف الشعب الكردي بأتراكه وأكراده وعربه وقومياته الأخرى وطلب منهم عدم الكلام حتى داخل السجون بعد أن حرمهم من نعمة الحرية والنور ومن أطفالهم وأسرهم لا لذنب ارتكبوه بل لأنهم إسلاميون وأكراد ويساريون الخ… أي كلهم سجناء الرأي ثم قالوا لهم: اسكتوا داخل السجن فإن لم تسكتوا فسنضعكم في السجون المفردة وفعلاً بوشر ببناء السجون المفردة كما ظهر لنا في وسائل الإعلام المرئية وأجاب السجناء المساكين: لا لن نسكت وهل هناك أكثر من السجن؟ وأعلنوا الإضراب عن الطعام حتى الموت وبدءوا يموتون في انتحار جماعي لا مثيل له في التاريخ البشري . وبدأت وسائل الإعلام ومنظمات حقوق الإنسان تنقل أخبارهم إلى العالم أجمع . وظهرت الفضيحة التي أغضبت الرأي العالمي الإنساني أمام هذه الموتة البشعة . وزاد في الطين بلة عندما قامت تركية بشن أغرب حملة عسكرية في التاريخ . فرقة عسكرية معززة بالطائرات على السجناء لإجبارهم على الطعام .

والسؤال الذي لا بد منه: ترى هل تركيا تملك المال الوفير لإطعام وإكساء ستين مليون من البشر ولبناء سجون مفردة بغية تربية هؤلاء السجناء الإسلاميون والأكراد واليساريون الخ…؟

وها هي وسائل الإعلام تنقل إلينا أخبار الاقتصاد التركي المنهار بكامله . فكل دلاور واحد يساوي مليون ومائة ألف ليرة تركي . الخزينة التركية فارغة وهي مطالبة بديون مستحقة تبلغ مائة مليار دولار عداً ونقداً . وها هو الشعب التركي يتظاهر في الشوارع يصرخ . نريد الخبز نريد الخبز وكلما دق الكوز بالجرة تتحرك فيالق من الجيش التركي تجتاز الحدود إلى كردستان العراق بحجة ملاحقة الأكراد الانفصاليين.

ترى.. لماذا نصف الشعب التركي في السجون ؟ ولماذا يتظاهرون في الشوارع نريد الخبز نريد الخبز ؟ ولماذا مائة مليار دولار ديون خارجية مستحقة للدفع ؟ ولماذا الخزينة خالية من المال ؟ ولماذا الناس يضربون عن الطعام حتى الموت في انتحار جماعي؟ أليس بسبب عدم حل التناقض الكردي السياسي ؟

المشهد الإيراني: إصلاحيون- محافظون- تقدميون . ثلاث حبال غليظة شد بها جسد الشعب الإيراني بالكامل . كل واحد يشده إلى طرفه واحد إلى الوراء وواحد إلى الوسط وواحد إلى الأمام ومتشابكون مع بعضهم البعض في صراع تناحري على حساب الشعب الإيراني . والشعب الإيراني يئن ويصرخ من الألم لا هو يستطيع أن يرجع إلى الوراء ولا أن يتقدم والعالم يسير والتاريخ يسير . يهدر كل طاقاته البشرية والمالية . بدأ يقتل نفسه بقتل مثقفيه ومفكريه ورجال إعلامه وسياسييه يدمر نفسه بنفسه بعد أن دمر العراق نفسه . كل المؤشرات تدل على ما أصاب العراق سيصيب الشعب الإيراني أيضاً . ترى لماذا حدث كل هذا للبلدين.. للشعبين الجارين ؟ ألم يكن بسبب عدم حل التناقض الكردي السياسي ؟

كلمة أخيرة وكلمة الخلاص أخي العربي والفارسي والتركي والكردي : تصالحوا مع التاريخ … أقرءوا التاريخ بعقلية مجتمع الإنتاج الصناعي الذي ظهر ولا رجعة للبشرية عنه على الإطلاق. تخلصوا من عقلية الحنطة و الشعير وكل استراتيجياته وتكتيكاته.

حلوا تناقضكم مع العصر ” التناقض الإنتاجي ”

ولا حل للتناقص الإنتاجي مالم يحل التناقض الكردي السياسي .

إن عروشكم التي بنيتوها من الرماح بموجب فلسفة سكين الجزار والعصا لن تستطيعوا أن تجلسوا عليها ، وخلاصكم يأتي بتبني فلسفة غصن الزيتون وهذا يعني تحقيق العدل والعدل أساس الملك كما بينت في الحقيقة رقم “5” .

والعدل يعني الاعتراف بوجود الشعب الكردي: قوميته ولغته وثقافته وأرضه ليأخذ مكانه إلى جانب الشعب العربي والفارسي والتركي (( في دوحة الحرية )) . هذا هو المجال الحيوي للأمم الأربعة ليتحول إلى بناء وعمران وأمن وسلام للجميع .
فإذا كنتم تريدون الموت استمروا في عقلية الحنطة والشعير .

وإذا كنتم تريدون الحياة غيروا عقولكم بعقلية السيارة والطيارة والإلكترون .

وعندها تنجون بأنفسكم من طوفان نوح .

وكلمة أخيرة أقولها مدوا يدكم إلى طربوشكم لكي لا يفوت الأوان .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

وإلى اللقاء في الحلقة رقم “7” من طريق الحقيقة .

 

حلب في         محمد تومة

10/7/2001م         أبو إلياس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

أبو إلياس – طريق الحقيقة رقم 31

طريق الحقيقة رقم 31 موضوع الحلقة: هل امريكا هي القطب الوحيد الغير منازع لمئة سنة قادمة. ول…