‫الرئيسية‬ طريق الحقيقة أبو إلياس – طريق الحقيقة رقم7

أبو إلياس – طريق الحقيقة رقم7

طريق الحقيقة رقم-7-

الجانب الروحي من العملية التاريخية:

1- لماذا نحن متخلفون ؟

2- الجانب الروحي من العملية التاريخية والوعي الاجتماعي

3- المثقفون – أنواعهم ودورهم في الجانب الروحي من العملية التاريخية .

4- نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين وطريق الحل .

5- القضية الكردية والجانب الروحي من العملية التاريخية والعقدة والشعارات المرحلية وطريق الحل .

  1. لماذا نحن متخلفون ؟:

قبل الإجابة على هذا السؤال لا بد لنا أن نسأل سؤالاً آخر: ترى هل من داع لهذا السؤال ؟ لنسر في طريق الحقيقة .

من وجهة نظري لا يمكن الوصول إلى الحقيقة دون المنهج الديالكتيكي مهما يكن الموضوع المدروس سواء كان اجتماعياً أو طبيعياً.

والمنهج الديالكتيكي قائم على النقائض وعلى تأثيراته وتفاعلاته المتبادلة. ولنبحث في الإجابة على سؤالنا: لماذا نحن متخلفون وفق المنهج الديالكتيكي:

1- التخلف نقيضه التقدم – وهذه هي المرحلة الأولى في طريق كشف الحقيقة أما المرحلة الثانية من طريق الحقيقة فهي في السؤال التالي:

2- أين موقعنا ؟ هل نحن في موقع التخلف أم في موقع التقدم ؟ .

3- لكي نصل إلى الحقيقة لا بد من إخضاع المرحلة الأولى والثانية لقانون المرحلة التاريخية المعاشة الملموسة.

ولنحاول وفق هذا المنهج الوصول إلى الحقيقة:

نحن الأمم الأربعة: العربية والتركية والفارسية والكردية وموقعنا في التاريخ الحضاري العالمي .

المعرض الحضاري:

لو قدر لنا أن نشارك في معرض عالمي حضاري لنعرض معروضاتنا الحضارية إلى جانب الأمم المشاركة في المعرض. ومع نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين ترى ماذا يمكننا أن نعرض في هذا المعرض من ما أبدعناه وأنتجناه خلال القرن العشرين ؟.الباحث والمفكر والاقتصادي والتاجر محتارون. ماذا يمكن أن يختاروا من المنتجات الحضارية لعرضها.
وبعد بحث طويل لا يجد سوى لافتات ايديولوجية .ولكوننا جزء من هذا العالم فلا بد من مشاركتنا. لأن عدم مشاركتنا يعني أنه لا وجود لنا.

فلنشارك والمثل الشعبي يقول: لا جود إلا بالموجود.

لا نملك سوى لافتات ايديولوجية .

حتماً سيسبق التركي والعربي والفارسي بلافتته الايديولوجية رقم واحد والتي أخذت درجة الامتياز ولها ماركة عالمية مسجلة وهي ” سعيد من يقول أنا تركي “. وبما أنها نالت درجة الامتياز في الممارسة العملية ولها ماركة عالمية مشهورة وأخذت شهرتها بجدارة فلا بد للعربي من أن يقلد التركي ويحتار لافتته بعد إجراء عملية ديكور بسيطة لها بحيث تصبح ” سعيد من يقول أنا عربي “. والفارسي لماذا يتخلف عن الاثنين وهو أيضاً يجري لها عملية رتوش بسيطة فتصبح: ” سعيد من يقول أنا فارسي “.
ومن الطبيعي فإن أي باحث أو مفكر لا يجد كثيراً من العناء لإدراك مضمون هذه اللافتة الايديولوجية وما المقصود .

فاللافتات الثلاثة تعبر عن مضمون واحد فقط وهو إنكار وجود الكردي ومحوه من الوجود خلال قرن كامل. لقد خضع الجانب الروحي من العملية التاريخية للشعوب الثلاثة لهذه اللافتة الروحية.

وبناءاً على هذه اللافتة حرقت ودمرت عشرات الآلاف من القرى الكردية سلب مال الكردي وانتهك عرضه. منع من التكلم بلغته ومسحت ثقافته وشوه تاريخه وزوروا أصله وفصله. سيق مئات الألوف من الأكراد إلى أعماق السجون عذبوهم وعدموهم كما تم تهجيرهم وسحب جنسيتهم الخ….

لقد انقسمت لافتاتنا الأيديولوجية الروحية إلى فرعين:

أولاً اللافتات الدينية .

ثانياً اللافتات الدنيوية .

وكل لافتة لها بداية وليس لها نهاية. فاللافتات الدينية تبدأ بالسني والشيعي والقادري والنقشبندي الخ…

واللافتات الدنيوية تبدأ بالديمقراطي والاشتراكي والوطني والقومي والشروقي والغروبي الخ…

قرن كامل من الزمن لم ننتج ولم نبدع سوى لافتات ايديولوجية ولم يكن أمامنا للمشاركة سوى لافتات ايديولوجية نعرضها إلى جانب المعروضات الحضارية للأمم الأخرى. هذا من الناحية الروحية. أما معروضاتنا المادية فلا يوجد لدينا سوى بعض البذور النباتية – الحنطة – الشعير – العدس – فول الخ….

لنعد إلى أسئلتنا علنا نجد الجواب:

لماذا نحن متخلفون ؟ وهل ثمة داع لهذا السؤال ؟ أين موقعنا من التاريخ العالمي ؟ هل يمكن أن تلفت لافتاتنا الايديولوجية في هذا المعرض انتباه وإعجاب الزوار إلى جانب السيارات والطائرات والقاطرات والإلكترونيات والرافعات العملاقة ؟ وبعدها… ألا يحق لنا أن نسأل: لماذا نحن متخلفون ؟

أما بالنسبة لتحديد موقعنا فهل لافتاتنا الايديولوجية الروحية وبذورنا النباتية المادية تعطينا أي موقع مقارنة بالوسائل والأدوات الحضارية المادية التي عرضت في المعرض ؟.

  1. لنأت إلى قانون المرحلة التاريخية المعاشة. ماذا يمكن أن نفهم من هذا القانون ؟

تقول حكمة شعبية عربية ” لكل زمان دولة ورجال ” والإنسان ابن زمانه. لكل مرحلة تاريخية أدواتها المادية وأفكارها الروحية.

والتاريخ مؤلف من جانبين: مادي وروحي. وها هو يخاطبنا:

أيها الإنسان: بالرغم من أنك صنعتني فهذا يعني أنك غيرتني. وعرفاناً مني بالجميل أقول لك: غير نفسك ولباسك كما غيرت لباسي المادي والروحي لم يعد  باستطاعتك أن تستمر في حراثة الأرض بالمحراث الخشبي لقد أعطيتك الجرار الحديث. لم يعد باستطاعتك أن تركب الحمار في أسفارك وتنقل بضاعتك إلى السوق فأعطيتك الطيارة والقطار والسيارة والباخرة الخ…. لم تعد تستطيع أن تحفظ طعامك في النملية. أعطيتك البراد.

إن أدواتي المادية لا تعد ولا تحصى فماذا تنتظر ؟..

إن المرحلة التاريخية العصرية ستجبرك على أن تستبدل أدواتك المادية القديمة بالحديثة… ولكنني أحذرك وللمرة الأخيرة. إذا أخذت الجانب المادي من اسمي وأهملت الجانب الروحي أو احتفظت بالجانب الروحي القديم الذي كان لحاجات ووسائل مادية قديمة غضبت عليك. وإذا لم تسمع نصائحي فإني مضطر لإزالتك من قاموس التاريخ البشري أو أحيلك إلى عبد تابع… فكن ابن زمانك بجانبيه المادي والروحي. لا تقع في وهم المزيفين للحقيقة وتعتقد بأنك تستطيع أن تستمر مع التاريخ أو توقفه وتأخذ الجانب المادي وتحتفظ بالجانب الروحي القديم فتؤذي نفسك وتلحق الأذى بغيرك. غير لباسك المادي والروحي تبعاً لقانون المرحلة التاريخية المعاشة .ولنتابع طريقنا في البحث عن الحقيقة….

الجانب الروحي من العملية التاريخية :

1- الوعي الاجتماعي .

2- أشكال الوعي الاجتماعي.

3-  الأمم الأربعة: العربية والفارسية والتركية والكردية وتعاملنا مع التاريخ خلال القرن العشرين .

1- الوعي الاجتماعي:

الوعي الاجتماعي هو مجمل الحياة الروحية للمجتمع وهو أحد الجوانب الهامة التي يتعامل بها الناس مع التاريخ الاجتماعي.

الوعي الاجتماعي من وجهة النظر المعرفي هو انعكاس الواقع في وعي الناس. وينقسم الوعي الاجتماعي إلى:

أ- الجانب المعرفي.       بـ – الجانب الايديولوجي.

أ- الجانب المعرفي: من الوعي الاجتماعي مهمته التعامل مع الجانب المادي للعملية التاريخية الاجتماعية وإيجاد المتطلبات الواقعية لعمل الإنسان الاجتماعي ويتضمن المعارف الموضوعية عن الطبيعة والمجتمع.

وينقسم الوعي الاجتماعي المعرفي إلى قسمين:

1- الوعي العلمي وهو الدراسة المنظمة للواقعي نظرياً والحصول على الحقيقة عن طريق التجربة والخطأ.

2- وعي الجماهير الذين يقومون بنشاطهم العملي اليومي في السياق التاريخي. ويسمى هذا الوعي بالوعي الاعتيادي. وهذا الوعي لا يحصل عليه بدراسة الواقع بل عن طريق التجربة اليومية ويتركز في العادات والتقاليد يكررها الناس ويورثوها للأجيال القادمة.

أما الجانب الايديولوجي من وعي الناس الاجتماعي فكل همه الحفاظ على العلاقات الاجتماعية القائمة أو تغييرها. وتسعى الايديولوجية إلى حل المشاكل الاجتماعية القائمة. إن الايديولوجية تحمل طابعاً حزبياً وهي التعبير الروحي عن المصالح المادية للشخص أو الطبقة أو الفئة .

ومن الناحية المعرفية: فإلى أيةَ معارف تسند هذه الايديولوجية مع تعاملها مع التاريخ ؟ هل إلى :

1- المعارف الاعتيادية …..أم إلى 2- المعارف العلمية .؟

إن انقسام الوعي إلى وعي علمي اعتيادي ووعي علمي منظم وعلاقاته بالإيديولوجية أمر هام جداً وله نتائجه البعيدة والخطيرة  في حياة المجتمع. وهذه الحالة هي التي عانت منها شعوبنا الأربعة في الشرق الأوسط .

الأمم الأربعة: العربية والفارسية والتركية والكردية والوعي الاعتيادي والايديولوجية الاعتيادية وآثارها البعيدة في المنطقة والممارسة العملية: إن الفرق بين الوعي الاعتيادي والايديولوجية تكمن في دور كل منهما في حياة المجتمع فالناس في حياتهم اليومية يتبعون وعيهم الاعتيادي .. وعي مصالحهم الشخصية المعيشية اليومية وفي نشاطهم العملي وفي الأسرة وفي كل علاقاتهم المتبادلة. ” ولهذا نسمع أن كلمة المصلحة الشخصية تظهر كثيراً على ألسنة الناس ” ويتهم كل منا الآخر بأنه لا يعرف سوى مصلحته الشخصية .

إن هذا الوعي الاعتيادي ناتج عن التطور العفوي التاريخي أو نتيجة التدخل في خط سير التاريخ بفعل العامل السياسي بغية إخضاع الواقع للايديولوجية الاعتيادية وإبعاد الوعي العلمي المنظم عن معركة الصراع .

إن ممارسة السياسة اعتماداً على هذا الوعي يخلق حالتين:

1- إما اليأس.      2- أو الانتقام العشائري كرد فعل لظروف الحياة الإنسانية. القاسية المعاشة. وكان غياب الوعي السياسي العلمي المنظم سبب فشل كل الحركات والأحزاب والحكومات التي تعاقبت على الساحة السياسية: الرسمي والمعارض وخرجت أممنا الأربعة من معركة الصراع الحضاري العالمي .

إن الوعي الاعتيادي يمكن أن يدفع الناس للنضال وليس غريباً أن نرى جماهير هائلة تلتف حولها لدى ظهور حكومة جديدة أو حزب جديد في عالمنا الشرق أوسطي. إن هذا رد فعل عفوي للحياة الإنسانية القاسية التي يعيشها لكن هذا النضال يبقى ذو طابع عفوي كفقاعات الصابون سرعان ما تظهر وتختفي. إن الحركة العفوية يسيطر عليها الوعي الاعتيادي وتبقى الجماهير دون الفهم للأهداف الاستراتيجية السياسية. إن الوعي الاعتيادي هو الشكل البدائي للوعي. وتكمن خطورة الوعي الاعتيادي في المرحلة التاريخية المصيرية. لا يمكن للجماهير بهذا الوعي العفوي أن تجري تغييرات اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية أو ثقافية عميقة. وهذا ما تعاني منه اليوم في منطقتنا.

إن هذا الوعي الاعتيادي عاجز عن رسم أهداف استراتيجية علمية واضحة ناتجة عن قراءة صائبة للتاريخ .

أما الايديولوجية العلمية :

تبين للقوى الاجتماعية ما ينبغي عمله ولكن وجود هذه القوى الإجتماعية مشترط تاريخياً. وتكمن الخطورة في رسم أهداف استراتيجية وممارسة التكتيك باسم قوة اجتماعية لم تظهر بعد في السياق التاريخي. ولا شك فإن ممارسة السياسة باسم تلك القوى الاجتماعية ستؤدي إلى كارثة تحل بالمجتمع كاملاً وسيقذف بهذه الأمة بعيداً عن معركة التطور الحضاري العالمي.

وهذا ما جرى لأممنا الأربعة خلال قرن كامل ومازال. وهنا يكمن سر تخلفنا. فالتيار القومي قوته الاجتماعية البرجوازية الصغيرة التي استلمت قيادة الدولة بعصبيات قومية وحاولت أن تلعب دور البرجوازية الوطنية الصناعية وأن تنهي المرحلة الإقطاعية بجانبيها المادي والروحي عن طريق التأميم فتحولت ملكية وسائل الإنتاج إلى الدولة وتحولت معها الفئة البرجوازية الصغيرة إلى برجوازية طفيلية بيروقراطية – وتحول العامل السياسي بكامله إلى الفساد هذا في النطاق الرسمي.

أما على النطاق المعارض فكان الوضع أسوء. فلدى قيام البرجوازية الصغيرة بالقضاء على الطبقة الإقطاعية عن طريق الإصلاح الزراعي والبرجوازية الصناعية عن طريق التأميم.

لم تظهر إلى الوجود قوة اجتماعية طبقية بروليتارية ولكن ظهرت أحزاب كثيرة طرحت برامج سياسية ونضالية ايديولوجية لهذه الطبقة وتزعمتها أيضاً البرجوازية الصغيرة. فكان 99.99 من أعضاء الأحزاب الشيوعية في المنطقة من المثقفين المنتسبين إلى الطبقة البرجوازية الصغيرة. فكان من الصعب أن تظهر ايديولوجية علمية للواقع فبقيت كافة الممارسات الوطنية معتمدة على الوعي الاعتيادي للجماهير.

فلا التيار القومي الرسمي استطاع عن طريق السلطة أن يجري تغييرات جوهرية في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية..

ولا التيار المعارض استطاع أن يسير بالجماهير إلى النصر لإجراء تلك التغييرات لأنها لم تكن تعيش حياة بروليتارية حقيقية .

وهكذا نرى أنه لم يجري أي تغيير في الجانب الروحي من حياة هذه الأمم الأربعة خلال القرن العشرين بكامله.

جانبي التاريخ المادي  الروحي في السياق التاريخي وعلاقته بأشكال الوعي الثلاث:

الوعي السياسي – الوعي الايديولوجي – الوعي المعرفي.

هناك تلازم ديالكتيكي في السياق التاريخي بين الجانبين المادي والروحي. وكل الدلائل تشير وتبرهن على أن الجانب الروحي يتبع المادي. فعند تغيير الجانب المادي يصبح تغيير الجانب الروحي ضرورة تاريخية لا مفر منها .

فلكل جانب مادي جانب روحي. فعندما يتغير الجانب المادي ولا يتغير الجانب الروحي تنشأ حالة من التناقض تؤدي إلى حالة تخلف ويشمل هذا التخلف كل الحياة الاجتماعية: السياسية – والاقتصادية – والثقافية…. وهكذا فعندما ظهرت الدولة القومية في الغرب كان جانبها الروحي موافق له وبذلك تغيرت كافة أشكال الوعي الاجتماعي: السياسي والحقوقي والأخلاقي والفلسفي الخ…

أما كيف جرى هذا التغيير فلأن القوة الإجتماعية المؤهلة ومصلحتها الاقتصادي تقتضي ذلك. فكانت الطبقة البرجوازية قامت وتزعمت المهمة التاريخية الماثلة أمام المجتمع. فقلبت كل المؤسسات السياسية ومنظوماته الإدارية وأيضاً كل جانبه الروحي تحت راية ثلاث شعارات: الحرية – المساواة – والأخوة. وقلبت مشروعية القوانين والدساتير: من إرادة السماء إلى إرادة الناس إرادة الشعب .

لا حكم ولا حاكم إلا خاضع لمشروعية إرادة الشعب وهكذا فعندما ظهر الجانب المادي وظهر الاقتصاد الرأسمالي وتوسع على حساب الاقتصاد الإقطاعي رأى الناس فيه خلاصهم من الفقر والجهل والاستبداد.

فكل هذه التغيرات المادية أدت إلى تغيير الجانب الروحي من العملية التاريخية أيضاً وهذا ما تم .

ومن هنا وعند هذه النقطة أرى من وجهة نظري أننا أمام سؤال هام: ترى !.. ما هي القوة الإجتماعية التي غيرت مجرى التاريخ بأكمله ولعبت دور المحرك الروحي للعملية التاريخية ؟…

  1. المثقفون ودورهم والقوة الروحية للعملية الإجتماعية التاريخية:

لا يمكن فهم دور المثقف دون معرفة الجذور التاريخية لظهور الدولة القومية بجانبيها المادي والروحي .

إن ظهور الدولة القومية كان لها سببين:

1- ظهور قوة اقتصادية مادية جديدة بخلاف القوة المادية الاقتصادية السابقة .

2- مع ظهور هذه القوة الاقتصادية المادية ظهرت معها قوة اجتماعية جديدة وهي الطبقة البرجوازية .

3- مع ظهور القوتين ظهر قانون ديالكتيكي ذو صراع جديد فكل مقومات القانون قد اكتملت وكل قوة أخذت مكانها في عملية الصراع.

ولدى التدقيق في جانبها المادي الاقتصادي “الإنتاج” نرى أن كل الأمور كانت مناقضة للاقتصاد الإقطاعي. فظهر المحراث الحديث بدل المحراث الخشبي والمعمل بدل الحرفة. وبدل طاقة الحيوان والإنسان ظهرت الطاقة الكهربائية والديزل. وهكذا تتالت الوسائل المادية والتكتيك… فكان من الطبيعي أن يزيل الجرار الحديث المحراث الخشبي وأن يزيل المعمل الحرفة وتحل طاقة الكهرباء والديزل محل طاقة الإنسان والحيوان وهكذا…

إن ظهور هذا الوجود المادي التكنيكي أزال كل مخلفات العهد الإقطاعي وأزال أيضاً الوجود الروحي لكل مخلفات العهد الإقطاعي أيضاً. وتزعمت هذه الحركة الطبقة البرجوازية .

ولنسأل: هل الطبقة البرجوازية هي التي أبدعت واخترعت هذا الوجود المادي التكنيكي؟ طبعاً لا… فالطبقة البرجوازية لم تقم بذلك ولم تكن يوماً ما في السياق التاريخي مبدعاً أو مخترعاً بل كانت دائماً وأبداً مالكاً للرأسمال وإدارة الإنتاج .

والإجابة الصائبة هي أن المثقف هو الذي أبدع واخترع. فلو لا المثقف لما ظهر وجود تكنيكي جديد ولما ظهر البرجوازي ولا البروليتاري ولا الرأسمالي أصلاً. ولنتابع الطريق نحو الحقيقة .

إن كل الإنجازات الحضارية التي ننعم بها اليوم هي من ابداع المثقف والمثقفون هم فئة من الناس يملكون مواهب خاصة مبدعة .

ولكن… هل كل المثقفين يلعبون دور المبدعين المخترعين في السياق التاريخي؟

أنواع المثقفون ودور كل منهم في الحركة الاجتماعية التاريخية وعلاقتهم بالقانون الديالكتيكي :

 

ينقسم المثقفون إلى ثلاثة أقسام:

1- المثقف الانتهازي

2- المثقف الغبي

3- المثقف الثوري

1- المثقف الانتهازي: إنسان ذكي يتمتع بمرونة عجيبة. غير مبدئي. لاعب ماهر يجيد كل الأدوار البهلوانية، يكرس قلمه الذي هو رمز العلم لمنافعه الشخصية هو يمسي الجماهير معتمداً على ثقافة كل المعارف الاعتيادية وبالتالي يمارس نشاطه وفق ايديولوجية اعتيادية .إنه أفضل من يقوم بتزييف الحقيقة ويقوم بدور هام  وخطير في خداع وتضليل السياسي. يزيف الواقع برمته مقابل مصالح شخصية ويضحي بالمصالح الإستراتيجية للأمة والوطن .

إن المثقف الانتهازي يشبه صناع الموبيليا عندنا. إنهم يحشون بضاعتهم بالكرتون و خشب صناديق الخضرة ثم يطلونها باللون المطلوب ويخفون أعذارهم ببراعة فائقة. ولكن بعد فترة قصيرة يزول الدهان وتظهر الحقيقة .

المثقف الانتهازي يشبه حال نسائنا اليوم، فالسمراوات يصبحن شقراوات. والبيضاوات يصبحن حمراوات. وعند نزول أول قطرة مطر تظهر الحقيقة. المثقف الانتهازي يشبه رجال إعلامنا اليوم يضعون الباروكة على قرعتنا ويقدموننا كشباب وعند هبوب أي نسمة أو تعرضنا لخبطة على رؤوسنا  تطير الباروكة وتظهر قرعتنا. وعندها فالانتهازي لا يهمه أي شيء لأنه أخذ الثمن وبنى قصراً وحصل على سيارة فاخرة الخ…

أما 95% من الناس الذين يعيشون تحت خط الفقر والذين ينتظرون من الحقيقة أن ترشدهم إلى الحياة الأفضل فلا يهمه أمرهم على الإطلاق.

2- المثقف الغبي:

إنسان طيب القلب تلقن العلم نعم ولكن ينطبق عليه المثل الشعبي الذي يقول:” ليس كل من قرا درا “. والمقصود ليس كل من تعلم يستطيع أن يبدع فلا بد من توفر عوامل بيولوجية ونفسية أخرى وهذا ما ينقص المثقف الغبي .

هذا المثقف يتحول إلى ببغاء يقول ما لا يفهم ويفعل ما لا يدركه. ويقول آمين  لكل ما يقال له لا يستطيع أن يتفاعل أو يؤثر في الواقع المحيط به. إنه يقرأ ويكتب ولكنه في قراءاته و كتاباته بعيد كل البعد عن قانون المرحلة التاريخية المعاشة وتنطبق عليه الحكمة الكردية التي تقول: ” إنه يدري بيدراً بدون حب ”

3- المثقف الثوري:

المثقف الثوري هو نقيض الانتهازي تماماً: ناقد متحرك داثماً يبحث عن الحقيقة هدفه الاستراتيجي حياة الأمة والوطن. إنه علماني لا يمكن أن يقول آمين لكل شيء إلا للحقيقة. إنسان مبدئي يتحمل كل شيء في سيبل مبدئه. يريد أن يتوهج نور الحقيقة دائماً لينير الدرب أمام الناس والسير نحو حياة أفضل. لا يقبل الظلم والقهر. لا يبني حياته على شقاء الآخرين. إنساني بطبعه ومبادئه وأفكاره. لا يباع ولا يشتري بالمال ولا بالمناصب. متحرر من الحقيقة المطلقة. إنه إنسان ديالكتيكي يبحث عن نقيضه وهو يدرك تماماً بأنه إذا بَّطل القانون أو أوقف عن الفعل تحولت حياة الأمة إلى صحراء قاحلة لا ماء فيها ولا شجر.

إنه إنسان شجاع يقول الحقيقة كما هي دون طلاء أو فبركة. هو إنسان موضوعي لا يعيش مع الخيال والأساطير والخرافات والعاطفة. يبحث عن الحقيقة دائماً ويعتبر الآخرين جزءاً من الحقيقة. إنه ضد العنف بكافة أشكاله الرسمي أو المعارض لأنه يسبب فقدان الحقيقة .

المثقفون والجانب الروحي من العملية التاريخية:

ينقسم المثقفون من الناحية التخصصية إلى قسمين:

  1. المثقفون الذين يقومون بدراسة العلوم الطبيعية ويعرفون باسم الموضوع المدروس: فيزيائي. كيميائي – جيولوجي، إلكتروني، هندسي  الخ…
  2. المثقفون الذين يدرسون العلوم الاجتماعية وهم أيضاً يعرفون باسم الموضوع المدروس:  سياسي،  أديب، شاعر، حقوقي، لغوي، فلسفي، ديني، الخ…

وهم يدرسون الجانب الروحي من الحياة الاجتماعية .

الإنتاج الطبيعي والإنتاج الصناعي ودور المثقفون في السياق التاريخي:

لقد انحصر دور المثقفين للجانب الروحي في الإنتاج الطبيعي “حنطة. شعير” في رجال الدين طوال فترة الإنتاج الطبيعي وهذا يعود للأسباب التالية:

لقد سيطرت الايديولوجية الروحية على الحياة الاجتماعية للإنتاج الطبيعي. فكل البيان السياسي والوعي الاجتماعي كان قائماً على ايديولوجية واحدة هي الايديولوجية الدينية. ولما كان ” الإنتاج” أي العملية الاقتصادية بعيدة عن الثورة العلمية والتكنولوجيا كان الجانب المادي من العملية التاريخية في الاقتصاد مقلد ومكرر. وكان من الطبيعي أن يسند النضال السياسي على العامل الايديولوجي الوحيد وهو الدين. والدين نزل واتخذ شكل كتب مقدسة صالحة لكل زمان ومكان. فتولى رجال الدين نشره في الشرق والغرب وأخذوا دور المثقفين أي سيطروا على الجانب الروحي للعملية التاريخية الاجتماعية. ولم تكن مهمتهم سوى الاجتهاد في نصوص الكتب المقدسة وتعليمها للناس. وهكذا ظهر وفاق تام بين السياسي والمثقف. فكان المثقفون خير الناس في تبرير السلطة السياسية للحكام .

وكثيراً ما كان هؤلاء المثقفين يعتبرون الحكام وكلاء الله سبحانه وتعالى في الأرض. ولو ابتعدنا قليلاً في عمق التاريخ نلاحظ أن كثيراً من الحكام ادعوا بأنهم آلهة.

لقد كانت مهمة المثقفين تنحصر في إقناع الناس بقدسية هؤلاء الحكام. وطلب الطاعة والولاء والمنافع المادية كلها كانت تنحصر بين السياسي والمثقف أما الجماهير الكادحة والفقيرة والتي كانت تصنع التاريخ وتعمل في الإنتاج كانت تعيش حياة تعيسة مع الجهل والفقر والمرض وبالمقابل كان الحكام ينعمون بحياة البذخ و الترف داخل القصور. وقد نقل لنا المؤرخون عن حياة القصور وما كان يدور فيها بدءاً من الخلفاء الأمويين ومروراً بالعباسيين وانتهاء بالسلاطين العثمانيين وكذا في الغرب على سبيل المثال لا الحصر.

لقد عرضت إحدى القنوات التلفزيونية بحثاً عن حياة أحد السلاطين العثمانيين ففي الوقت الذي كان المثقفون الروحيون ينشرون الدعاية لهذا السلطان ويقولون للناس أنه بإمكانه أن يمد بساطة على البحر ويصلي عليه دون أن يغرق. هذا لأنه خليفة الله سبحانه وتعالى في الأرض. في نفس الوقت كان يملك في قصره ألف وخمسمائة إمرأة مرشحة للزواج. بالإضافة إلى العدد الهائل من الطباخين والخدم والحشم. هذا في الداخل أم في الخارج فكانت مهمة المثقفين الروحانيين تصوير السلطان على أنه إنسان ملاك ومقدس يسهر ليلاً نهاراً على أمن وسلامة الناس وحريصٌ على إيمان الناس بالله سبحانه وتعالى والدعوة إلى الجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى.

وهنا تبرز لنا أخطر مشكلة وأهمها وهو دور الوعي الاجتماعي وأهميته في الحياة الإجتماعية التاريخية ومختصراً الجانب الروحي للعملية التاريخية .

والسؤال الذي يفرض نفسه هو: كيف كان الناس بذلك الزمن يقتنعون بأن السلطان خليفة الله سبحانه وتعالى في الأرض وهو يسهر ليلاً نهاراً على أمنهم وسلامتهم في الوقت الذي كان في قصره هذا الكم الكبير من النساء والطباخين والخدم والحشم ؟ وبنفس الوقت كان الناس يعانون من الجهل والفقر. الأوبئة تحصد أرواح الآلاف من الناس وبنفس الوقت كانوا يتلقون التوجيه من المثقفين الروحانيين ويطلب منهم الطاعة و الولاء للسلطان.

وهنا تبرز لنا أهمية الجانب الروحي من العملية التاريخية ودور المثقفين فيها. وهي أهم مشكلة معرفية أي علمية .

قلنا .. إن الوعي هو انعكاس الواقع في وعي الناس وهي مشكلة هامة وخطيرة واحتمال الخطأ والصواب وارد. وهنا يظهر دور المثقفين في الحياة الإجتماعية برمتها. فكلا المثقفين الانتهازي والثوري يلعبان دورين مختلفين في وعي الناس قام المثقفون بنقل الواقع إلى فكر الناس. واحتمال تشويه الواقع في وعي الناس وارد بغية منافع شخصية: قد يكون المال أو طلباً للعظمة.

فإذا برز المثقف الانتهازي وسيطر على الساحة الإجتماعية واستطاع أن يخدع السياسي بآرائه ونظرته المشوهة للواقع عندها ستقع المصيبة على المجتمع بكامله.

إن الحرية هي العامل الحاسم الذي يعيد التوازن في المجتمع.  ووجود الحرية يعني وجود مثقف انتهازي ومثقف ثوري وهذا يعني أن مقابل كل إنسان جاهل إنسان واع. وأن مقابل كل إنسان غبي إنسان ذكي. وفي كل زمان ومكان هناك انتهازيون وثوريون، جهلاء وواعين، أغبياء وأذكياء. هذا أمر طبيعي ولكن الغير طبيعي هو أن تكون هناك حرية للانتهازي والجاهل والغبي ومحروم منها الثوري والواعي والذكي.

إذا كان من حق الانتهازي والجاهل والغبي أن يعيش حياته بحرية فمن حق الثوري والواعي والذكي أيضاً أن تكون له كامل الحرية ليعيش حياته الحقيقة.

إن عظمة الإنسان تكمن في حريته. وكل النشاط الإنساني سواء كان المادي أو الروحي خاضع لشرط الحرية والحرية خاضعة لقانون ديالكتيكي.

فحرية الانتهازي كحرية الثوري وحرية الجاهل كحرية الواعي وحرية الغبي كحرية الذكي فكل مناخ سياسي أو ثقافي لا يوفر الحرية للكل يعني التخلف.

لا يمكن أن تتطور الحياة والناس والتاريخ دون توفير عامل الحرية.

لا يمكن أن يكون كل الناس انتهازيون أو ثوريون أو جهلة أو أغبياء أو أذكياء.

إن مجتمعاً خيالياً طوباوياً مثل هذا غير موجود ومخالف للعلم برمته.

إن الحياة التاريخية الإجتماعية صراع ديالكتيكي بين الانتهازي والثوري والجاهل والواعي والذكي والغبي وإن الذي ينظم هذا القانون الديالكتيكي هو العامل السياسي.

أممنا الأربعة وقانون الصراع الديالكتيكي في السياق التاريخي للقرن العشرين :

لقد وقعت أممنا الأربعة العربية و الفارسية و التركية و الكردية في قبضة المثقف الانتهازي خلال قرن كامل فوقع السياسي في شباك وخداع ثقافة المثقف الانتهازي وبذلك لم تسد سوى ثقافة واحدة وهي ثقافة الانتهازي. ولكي يسود الانتهازي وثقافته لابد من سحق المثقف الثوري فكان العامل السياسي هو خير معين لهذا السحق.

وهذا ما تم فعلاً فبدلاً من أن يقوم السياسي بدور المنظم وإدارة التناقضات في السياق التاريخي الاجتماعي بين الانتهازي والثوري بين الجاهل والواعي بين الغبي والذكي وقع في شباك الانتهازي وثقافته وهكذا تم سحق كل المثقفين الثوريين والواعيين والأذكياء طوال قرن كامل سواء كان من قبل السياسي الرسمي أو الأحزاب المعارضة والتهمة الموجهة كانت دائماً: عملاء- خونة- كفار- ثرثارين متمردين خطرين على الأمن السياسي والأمن العام الخ ….

فبقيت مجتمعاتنا تسير على رجلٍ واحدة وتوقف القانون الديالكيتكي عن الفعل مدة قرن كامل وكان التخلف والخروج من معركة الصراع الحضاري العالمي.

وها نحن أمام العولمة الحضارية لا حول لنا ولا قوة يائسين نئن ونشكو من حظنا التعيس. وهكذا وفي كل مراحل التاريخ نرى أن للمثقف دور كبير ويمكن أن يلعب دورين معاكسين: إما أن يسبب في إسراع وثيرة خط سير التاريخ إلى الأمام وإما أن يلعب الدور المعرقل.

وهكذا نرى أنه لا يمكن للسياسي أن يسير خطوة واحدة بدون مثقف.

ظهور المجتمع الصناعي وأهمية الحقيقة ودور المثقفين :

مع ظهور المجتمع الصناعي تغير الجانب الروحي للعملية التاريخية وتغيرت معه مهمة المثقف للتعامل مع القضايا الإجتماعية الجديدة تماماً. لم يعد الناس يقبلون بثقافة التلقين بل بثقافة الحقيقة. وهنا اقتضت الضرورة التاريخية ظهور ثقافة الحقيقة وبالتالي مثقفيها وظهر بذلك الخط الثقافي التنويري للحقيقة.

إن المجتمع الصناعي مجتمع معقد ومتنوع بجانبيه المادي والروحي. ومع تطور التكنولوجيا الإعلامية أصبحت مهمة البحث عن الحقيقة أيضاً مهمة شاقة وذلك للأسباب التالية:

إن المجتمع الصناعي مجتمع مثير للغاية. إن غريزة الملكية عند الإنسان تصبح أقوى الغرائز بعد غريزة الحياة وطموحاته المادية ليس لها بداية ولا نهاية. وإن انحراف المثقف والوقوع في شباك الانتهازية بغية المنفعة الشخصية على حساب الأهداف الإستراتيجية للمجتمع أمر وارد في كل لحظة.

وهذا الوضع الذي نشأ مع ظهور المجتمع الصناعي قد صعّب من مهمة المثقف الثوري ومهمة كشف الحقيقة. فالمثقف الانتهازي لا يعاني من أزمة فهو مرن بحيث يستطيع أن يتلون مع كل حالة طارئة لا يهمه من أمر الحقيقة شيء ولكن المثقف الثوري مبدئي.

المثقف الثوري الباحث عن الحقيقة يبن مطرقة السلطة وسندان المعارضة:

لقد سيطر على العالم ومن ضمنه منطقتنا الشرق أوسطية بأممنا الأربعة صراع سياسي وإيديولوجي طوال قرن كامل: القرن العشرين.

وبهذا نستطيع أن نقول بأننا تقربنا من معرفة حقيقة: ” سر تخلفنا اليوم ” وإليكم الدليل:

خلال فترة الصراع السياسي و الإيديولوجي في القرن العشرين حدثت تطورات وتفاعلات وظواهر سياسية واقتصادية خطيرة في مستقبل هذه الأمم الأربعة.

ظهرت إيديولوجيات ثقافية ودينوية مبنية على الوعي الاعتيادي وبعيدة كل البعد عن الوعي العلمي المنظم للواقع التاريخي.

إن جميع السياسيين الذين استلموا السلطة السياسية للأمم الأربعة وقعوا في خداع إيديولوجية المثقف الانتهازي سواء كان السياسي الرسمي أو المعارض.

لقد وقع المثقف الثوري العلمي بين مطرقة وسندان السياسي الرسمي و المعارض على السواء وأطلقت على المثقف الثوري صفات وتسميات لا أول لها ولا آخر: عميل. جاسوس. خائن. كافر. ملحد. مدمر. مخرب. يعمل لصالح هذه الدولة أو تلك إلى آخر هذه الأوصاف و التسميات فإما قتل وإما سجن وإما هرب. وبغياب المثقف الثوري غابت شمس الحقيقة عن الأمم الأربعة بالكامل وعن منطقة الشرق الأوسط الجغرافية. ولما كانت ثقافة المثقف الانتهازي وفلسفته كلها مبنية على الوعي الاعتيادي كان من الطبيعي ألا يحدث أي تطور سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي في حياة الأمم الأربعة.

ولكن السياسي والانتهازي إنسان لا يستطيع أن يعيش بدون مسكن وملبس وأدوات عصرية. فكان لا بد من ظهور الفساد ليعم ويشمل كل الجهاز السياسي. فمن الناحية الاجتماعية ظهرت فئة (( اوليغارشية )) طفيلية تكاد لا تساوي نسبة 5% وبقي95% تحت خط الفقر .

لقد حصلت الفئة السياسية على منافع مادية كبيرة وكذلك المثقف الانتهازي حصل هو أيضاً على منافع مادية هائلة.

ومع حلول القرن الحادي والعشرين وانتهاء الصراع السياسي والأيديولوجي وظهور العولمة الحضارية بات الكل يعيش أزمة خانقة .

فلا السياسي يستطيع الاستمرار في الحكم وفق أيديولوجيات قدمها له المثقف الانتهازي. ومع تطور التكنيك الإعلامي لم يعد باستطاعة المثقف الانتهازي أن يحتكر العامل الثقافي فبدأ صوت الحقيقة يسمع من كل الجهات من الداخل والخارج.
وبدأت مجتمعات الأمم الأربعة تعيش أزمة حقيقية مدمرة. شملت كل الحياة المادية والروحية التي لا تتفق مع تطور الحضاري الذي ظهر. وإن البنيان الفوقي الذي قام بموجب أيديولوجيات الصراع السياسي لم يعد يتوافق مع المتغيرات العالمية التي حدثت. وأما البنيان التحتي الذي قام لا يستطيع تقديم الحاجات المادية المعنوية العصرية على الإطلاق. هذا البنيان التحتي لم يساهم في زيادة دخل الفرد القومي وبدأت عشرات الألوف من العائلات تهرب ويكاد لا يمر يوم إلا ووسائل الإعلام تعرض لنا البواخر المصادرة وهي ملأى بالعائلات متجهة نحو أوربا.

فلا البنيان الفوقي استطاع أن يقدم للناس الأمن والسلام الاجتماعي ولا البنيان التحتي يستطيع أن يشبع حاجات الناس المادية.

لقد ظهرت كثيراً من المافيات والعصابات لتهريب الناس. وهذا يذكرنا بالهجرة القسرية لسكان القارة الإفريقية كعبيد للسخرة إلى القارة الأمريكية ولو استمر الوضع بهذا الشكل سيهاجر كل سكان الأمم الأربعة إلى أوربا أو أي مكان آخر يجدون فيه الأمن والسلام ولقمة العيش.

رأي العلم في هذا الصراع :

قلنا سابقاً بأن ” لكل زمان دولة ورجال ” وأن ” الإنسان ابن زمانه” كل الأجواق السياسية والثقافية التي اشتركت في الصراع السياسي والأيديولوجي لم تكن ابن زمانه على الإطلاق. فالدولة القومية تزعمتها الطبقة البرجوازية الصناعية وطرح مثقفوها شعارات الحرية والمساواة والعدالة وأنشأت الطبقة البرجوازية كافة منظوماتها السياسية والمجتمع المدني. وقامت الطبقة البرجوازية بمهمة تصفية أرث الإقطاعية بوجودها المادي والروحي.

أما في منطقتنا فقد جرت الأمور بالعكس تماماً. فقد ظهرت طبقة برجوازية رأسمالية صناعية على التو بعد أن حصلت هذه الشعوب على استقلالها وبدأت بإنشاء بعض معامل الغزل والنسيج وجمعت العمال من المدينة والريف وبدأت معركتها ضد الطبقة الإقطاعية.

وظهر العسكر وهو ينتمي من حيث قوته الاجتماعية إلى البرجوازية الصغيرة واستلمت هذه المهمة ثار باسم الثورة وثار باسم الانقلابات العسكرية. وقامت بطريقتين لتصفية ميراث الإقطاعية:

1ً- الإصلاح الزراعي….صادرت الأراضي من الإقطاعي في الريف.

2ً- تأميم المصانع ……. أممت المعامل والمصانع من البرجوازي الرأسمالي .

وهكذا تم القضاء على هذه الطبقة البرجوازية الناشئة والتي عليها تقع بموجب القوانين التاريخية مهمة القضاء على الإقطاعية وميراثها المادي والروحي .

واستلمت البرجوازية العسكرية الصغيرة هذه المهمة وتحولت ملكية هذه المعامل إلى الدولة فوضعتها تحت الإدارة البيروقراطية للبرجوازية الصغيرة.

وهرب الرأسماليون مع ما تبقى لهم من الرأسمال والخبرة وأصبحوا خارج الحدود ونشأت بدلاً عن الطبقة البرجوازية الرأسمالية الصناعية برجوازية حكومية طفيلية وتحول العمال إلى موظفين .

ولما كانت هذه القوة الاجتماعية من الفئة البرجوازية الصغيرة التي ذاقت الأمرَّين في العهد الإقطاعي رأت نفسها وبين يديها ثروة الشعب بكامله .

جاءتها الفرصة ويجب ألا تضعيها. فظهرت ظاهرة ” الفساد ” يساعدها في ذلك المناخ السياسي الذي ساد وعوامل متعددة .

  1. عدم قيام الدولة القومية وفق مؤسساتها الدستورية وشعاراتها.
  2. عدم قيام مجتمع مدني يحافظ على التوازن ويلعب دور المراقب.
  3. قيام هذه الدولة على العصبية القومية.
  4. عدم وجود شرعية انتخابية.

وهكذا ظهرت فئة اجتماعية طفيلية حصلت على منافع مادية هائلة. وانقضى قرن كامل فلا هي استطاعت أن تقضي على الإمبريالية والصهيونية والرجعية ولا الاستغلال الخ… ولا هي استطاعت أن توحد الأمة العربية أو الفارسية أو التركية .

التيار السياسي الطبقي المعارض :

وهو أيضاً رفع شعار القضاء على الإمبريالية والصهيونية والرجعية والاستغلال وتحقيق الاشتراكية وادعوا أنهم يمثلون القوة الاجتماعية الجديدة التي ظهرت إلى الوجود وهي ” البروليتاريا ” وعليها تقع مهمة تصفية الإقطاع وتحقيق العدالة والمساواة والرخاء لبني الإنسان. كانت هذه هي الأهداف. ولكن هل كانوا فعلاً بروليتاريين ؟ والجواب: إن 99% من أعضاء الأحزاب الشيوعية واليسارية بما فيهم أنا لم يكونوا بروليتاريين ولم نعش حياة بروليتارية على الإطلاق.

والعلم يقول: ليس المهم أن يحدد الإنسان هدفه بل المهم أن يعيش حياته الحقيقية.

وهكذا تعاملنا روحياً مع التاريخ بحياة مزيفة. فلا التيار القومي عاش حياة الدولة القومية الحقيقية بشعاراتها الثلاث: الحرية – المساواة – العدالة. ولا التيار الطبقي الشوفيني عاش حياة طبقية حقيقية. فكلا التيارين خرجا من معركة القرن العشرين خاسرين، لا الدولة القومية قامت ببناءها الفوقي والتحتي ولا الاشتراكية تحققت. والسبب العلمي هو أن كلا التيارين استلم مهمة ليست من مهمته وفرض نفسه على التاريخ فرفضه التاريخ .

والضحية كانت شعوبنا. لقد رمى التاريخ بـ 95% من أبناء شعوبنا إلى خط الفقر لا حول له ولا قوة وها هي ومع بداية القرن الحادي والعشرين تصارع الموت. إن نظرية التطور الرأسمالي والتي أبدعها مثقفو السوفييت البيروقراطيين كانت غير صحيحة. وإن حرق مرحلة من مراحل التاريخ لم يوافق عليها التاريخ مطلقاً. وهكذا وبعد قرن كامل من الزمن أرجعهم التاريخ إلى نقطة الصفر. كلا التيارين القومي والطبقي ينطبق عليهما الحكمة الشعبية التي تقول: ” جاء ليكحلها فأعماها ” والسبب العلمي: لم يكن لأي التيارين خبرة علمية بتكحيل عيون الشعوب.

وهناك أيضاً حكمة شعبية عربية تقول .”أعطي خبزك للخباز ولو أكله كله” وحكمة أخرى تقول: “كار مو كارك خرب ديارك ”

فوقع التيارين القومي والطبقي معاً في شباك ثقافة المثقف الانتهازي فحدث ما حدث وكان خراب ديارنا .

ماذا جنينا من هذا الصراع السياسي والإيديولوجي خلال قرن كامل ؟:

  1. لم يعد في أممنا الأربعة عقولاً مبدعة: السياسي – الاقتصادي . الاجتماعي . الفلسفي الخ ……
  2. نتيجة صراع السياسي والإيديولوجي هاجرت العقول المبدعة مع أموالها ” الأمم الأربعة” لتودع وتستقر في البنوك الأوربية.
  3. لقد زينت جغرافية الأمم الأربعة بأفخم القصور للانتهازية السياسية والثقافية مع امتلاك أرقى أدوات العصر وهي نسبة لا تتعدى 5% من السكان.
  4. وبالمقابل فإن 95% من سكان الأمم الأربعة أصبحوا في خط الفقر.
  5. لقد تحولت الأمم الأربعة إلى سوق للبضائع الأجنبية المستوردة .
  6. لم تحل أي مشكلة من المشاكل الاجتماعية والسياسية الموروثة من العهد العثماني والاستعماري بل زدنا عليه مشاكل جديدة.
  7. باتت الأمم الأربعة في مواجهة بعضها البعض وجاهزة تحت الطلب وفق مصالح وأهداف استراتيجية خارجية وليس لشعوبنا فيها لا ناقة ولا جمل  .
  8. لقد أصبحت إرادة الأمم الأربعة مرهونة للقوة الخارجية .

القرن الحادي والعشرين والجانب الروحي من العملية التاريخية وطريق الحل:

لقد أطل علينا القرن الحادي والعشرين ونحن متخلفون عن التاريخ العالمي الحضاري بجانبيه المادي والروحي. هذه حقيقة لا نستطيع إنكارها. ولكن ليس عيباً أن نكون متخلفين فلم يولد شعب أو أمة وهي متقدمة ولكن العيب أن نبقى متخلفين. إن ما كتبته لا لزرع اليأس في نفوس الناس بل لتشخيص المرض. وثقافتنا الدينية . تقول: إن الله سبحانه وتعالى خلق الداء ومعه الدواء وأن لكل داء دواء. وداء التخلف العلم.

إن قانون المرحلة التاريخية قد حول قانون الصراع إلى قانون الصراع الحضاري العالمي ونحن مجبرون بحكم الضرورة التاريخية أن نخوضها وإلا سنعيش خارج العصر. ومن وجهة نظري لا شيء يمكننا من التغلب على تخلفنا سوى العلم. هناك حكمة كردية وهي من الأدب الشعبي الكردي تقول: ” إذا كان هناك ملقط فلا تمد يدك للنار “. فالتخلف نار وإذا لم نستخدم العلم فسيحرق أصابعنا. والعلم يقول: حقق البنود التالية فتسلم:

1ً- الأمن والسلام الاجتماعي والإقليمي.

2ً- ولكي يتحقق الأمن والسلام الاجتماعي والإقليمي يجب التخلي عن كافة اللافتات الايديولوجية التي ولى زمانها .

3ً- الجانب الروحي من العملية الاجتماعية التاريخية المطلوب هو الوعي العلمي والتركيز عليه .

4ً- إن الصراع الحضاري العالمي يفرض عليك أن تتكتل ضمن تكتلات اقتصادية أممية إقليمية .

5ً- إن الأمم الأربعة العربية والفارسية والتركية والكردية لا مستقبل لها ولا يمكنها الدخول في الصراع الحضاري العالمي إلا مع بعضها البعض في “دوحة الحرية ”

6ً- حاجتنا إلى ثقافة الحقيقة كحاجتنا للهواء والماء والغذاء.

7ً- كل المثقفين الانتهازي والغبي والثوري هم جزء من الحقيقة المطلوب تكافئ الفرص لهم .

8ً- حرية الانتهازي والغبي والثوري مقدسة. فلكل واحد منهم الحق فيما يقول أو يؤمن أو يكتب. أما الحقيقة فالحكم فيها للجماهير والتاريخ .

9ً- فلنشارك جميعنا بانتهازنا وأغبيائنا وثوريينا في إيجاد ثقافة الحقيقة .

أخي العربي والتركي والفارسي والكردي كونوا مع العلم وسيكون العلم معكم.لم يعد هناك مجال للخرافات والأساطير والعواطف.
إن العولمة صراع حضاري جانبها المادي: السيارات – القاطرات – الإلكترون – الخ…

وجانبها الروحي: الوعي العلمي. لم يبقى مكان للإيديولوجيات .

والشريعة الوحيدة في المستقبل هي شريعة ” حقوق الإنسان ” .

سينال كل إنسان حقه في الحياة: أن يتكلم ويكتب بلغته ويكتب بلغته ويبدع ثقافته ويصنع تاريخه ويعيش فوق أرضه آمناً. لا تعالي إنسان على إنسان ولا تعالي أمة على أمة. هذه هي ثقافة شريعة حقوق الإنسان والتي ستسود على الأرض. وكل من يحاول الوقوف في وجهها سيسحقه التاريخ والعلم. لا أحد يستطيع وقف مسيرة التاريخ والعلم على الإطلاق.

القضية الكردية والجانب الروحي من العملية التاريخية وصراع الديكة:

لقد كان مهندسو سايكس- بيكو على درجة كبيرة من الذكاء، وكون القانون الديالكتيكي يحتاج إلى نقيض ولكي يكتمل القانون كان لا بد من نقيض: فالذكاء نقيضه الغباء وكنا نحن الأغبياء ساسه ومفكرون للأمم الأربعة.

وبدأ القانون يفعل فعله طوال قرن كامل بأفكار روحية. وكنت قد بينت في حلقة سابقة “سعيد من يقول أنا تركي” فقلده العربي: سعيد من يقول أنا عربي ثم اتبعه الفارسي: سعيد من يقول أنا فارسي.

لقد كان سياسيونا ومفكرونا الروحيون يعتقدون بأن التاريخ سيعطيهم ما يريدون ريما كانوا يحلمون بأن أممهم سيعلو شأنها ويزدادون قوة وتطوراً وسيقدمون رسالتهم للإنسانية. جاءتهم النتائج بالعكس تماماً.

وها نحن ندخل القرن الحادي والعشرين ونحن مثقلون بجراح التخلف وجيوب شعوبنا خاوية وطلبات إنساننا تزداد يوماً بعد يوم ولا نملك سوى لافتات إيديولوجية .

ترى !: كيف حدث ذلك ولماذا حدث ؟ ..

السبب هو أننا ابتعدنا كثيراً بجانبنا الروحي وبكافة أشكال الوعي الاجتماعي: السياسي والحقوقي والأخلاقي والفلسفي والديني عن الحقيقة. وابتعدنا كذلك عن العلم وقوانينه. فلم نقرأ التاريخ لنتنبأ بالمستقبل وبدأنا معركة تكاد تكون ذات مشهد مضحك ومبكي .

معركة صراع الديكة بين الأمم الأربعة :

سواء نتف العربي ريش الكردي أو نتف الكردي ريش العربي.

وسواء نتف التركي و الفارسي ريش الكردي أو نتف الكردي ريشهما .

وسواء نتف التركي والعربي والفارسي بعضهم البعض فنتيجة هذه المعركة هي معركة صراع الديكة وهي التخلف للكل .

المتعاركون نحن الأغبياء في الأمم الأربعة والمتفرجون ضحكوا علينا ودفعونا للعراك هم مهندسو سايكس – بيكو الأذكياء.

فمهما طالت المعركة فالنتيجة ليست لصالح أحد منا والمستفيد الوحيد هم .

وسواء دمر العربي مصانع ومصافي تكرير البترول والطرق والجسور والمنشآت للفارسي أو التركي أو بالعكس فلا أحد يستطيع أن يصنع هذه الأدوات والتكنيك لإعادة هذه المنشآت إلى ما كانت عليه. وهم يعلمون بأن أممنا خاوية من العقول المبدعة فلا بد من أن نذهب إلى مهندسي سايكس – بيكو  طائعين لنحصل على ما دمّر.

وهكذا يستمر قانون صراع الأذكياء والأغبياء في منطقتنا الشرق أوسطية ويوماً بعد يوم نتوجه إلى الانتحار الجماعي نحو.

” طوفان نوح جديد ”

إن القرن الحادي والعشرين يحمل في طياته موقفين لا ثالث لهما: فإما التغير والاندفاع إلى الأمام وإما الموت الجماعي. الثبات لم يعد ممكناً.

لم تتوقف معركة صراع الديكة بين الحكومات الرسمية فقط بل دخلت إلى كل بيت وبين كل فرد وآخر وبين كل حزب وآخر. لا أحد يقرأ التاريخ. لقد جمع التاريخ العربي والفارسي والتركي والكردي معاً منذ ألف وأربعمائة سنة في دين واحد وثقافة واحدة وعادات وتقاليد واحدة وفي جغرافية واحدة. فعندما يقول المؤذن: الله أكبر يندفع ملايين من العرب و الفرس و الترك و الكرد ليصلوا معاً ويتجهون إلى قبلة واحدة. تربطهم أنهار واحدة وسماء واحدة وغيوم واحدة وهواء واحد. لا أحد يستطيع أن ينفصل عن الآخر بجرة قلم. إنهم مجبرون بحكم الواقع الجغرافي والثقافي والتاريخي أن يعيشوا مع بعضهم البعض. إن أي اختلال لهذا التوازن يعني انتحار الكل.

إن سياسة سكين الجزار التي استوردت من الخارج سياسة إنكار وإبادة الشعوب والتي نفذها تلاميذ التلاميذ طوال قرن كامل ألقت بكامل شعوبنا خارج العصر. لقد تحول كل فرد من أممنا إلى فرد قاسٍ مدمر لنفسه ولغيره خالٍ من أي مفاهيم ديمقراطية. كل واحد يتعامل مع الآخر على أنه قراقوش. هذه كلها أمراض خطيرة. ترى هل من دواء ؟ …

القضية الكردية والشعارات المرحلية وطريق الحل :

قراءة التاريخ أولاً: بعد كل الذي جرى وصار ووقع فإن قراءة دقيقة للتاريخ الذي صنعناه بأيدينا وعقولنا يعطينا الجواب :

لقد اختلطت كافة تناقضاتنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية مع بعضها البعض فأصبحنا بذلك أمام عقدة. وليس أمامنا سوى خيارين:

إما فك العقدة وننعم بالحياة .

وإما الابتعاد عن العقدة الرئيسية والانشغال بعقد ثانوية ونستمر في معركة صراع الديكة ونموت موتاً بطيئاً .

إن لهذه العقد ثلاث ثوابت :

حرية الكردي

ديمقراطية العربي والفارسي والتركي

التطور للكل

ثلاث ثوابت مرتبطة ومتداخلة ومتفاعلة ومؤثرة في بعضها البعض لا يمكن فصلها.

فلا حرية للكردي بدون ديمقراطية العربي والفارسي والتركي.

ولا ديمقراطية للعربي والفارسي والتركي بدون حرية الكردي.

ولا تطور للعربي والفارسي والتركي والكردي بدون حرية الكردي .

وبحلول القرن الحادي والعشرين تتوجه كل مجتمعات العالم نحو المجتمع الصناعي. وبدون فك هذه العقدة لا يمكن لأممنا الأربعة التخلص من اقتصاد المجتمع الطبيعي والتوجه نحو تحقيق مجتمع الوفرة. إن الاستمرار في معركة صراع الديكة أمر خطير للغاية وليعلم كل فرد من العرب والفرس والترك والكرد بأنهم في حرب مع التاريخ. وإن من يعلن الحرب على التاريخ سيحطمه التاريخ ومن لا يصدق فلينظر ما يجري حوله: ماذا حل بيوغسلافيا وإندونيسيا والسوفييت وأفغانستان والجزائر والسودان والعراق وتركيا وغداً الصين والهند الخ…

إن فك العقدة يتوقف على الشعارات التالية :

  1. الحرية للكردي.
  2. الديمقراطية للعربي والفارسي والتركي
  3. التطور للأربعة

كلمة أخيرة: هذه هي قراءتي للتاريخ وهذا ما أردت قوله. ربما لا أقول الحقيقة أو لم أستطع كشفها. وكم سأكون شاكراً لمن يقوم بإثبات عكس ما كتبته في هذه الحلقة ونشرها للدنيا كلها .

إن استمرارنا في صراع الديكة سيقود 95% من شعوبنا إلى الانفجار لا محالة وأعتقد بأن القوة المدمرة لهذا الانفجار ستكون أضعاف ما ألقي من قنابل ذرية على هيروشيما وناغازاكي ومن قنابل كيماوية على حلبجة .

وأخيراً لا بد لي من تذكر الحكمة الكردية التي ذكرتها في الحلقة رقم –6-

مدوا يدكم إلى طربوشكم قبل فوات الأوان .

وإلى اللقاء في الحلقة رقم –8-

حلب في     محمد تومة

24/9/2001م     أبو إلياس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

أبو إلياس – طريق الحقيقة رقم 31

طريق الحقيقة رقم 31 موضوع الحلقة: هل امريكا هي القطب الوحيد الغير منازع لمئة سنة قادمة. ول…