أبو إلياس – طريق الحقيقة رقم 3
طريق الحقيقة رقم -3-
أبو الياس: قصتي مع الحقيقة الكردية. كيف ولدت؟
إن قصتي تشبه قصة ذلك اليزيدي الكردي الذي كشف الحقيقة المزيفة عن الحقيقة الصائبة بالتجربة. ولدت هذه الحقيقة معي مع حلول ليل شتاء طويل عندما استلقيت في فراشي وفكرت بإنسانيتي. مع طرح أسئلة كثيرة على نفسي وأجاوب عليها بنفس الوقت من أنا؟ أنا إنسان، كائن حي وعاقل. وماذا يعني كائن حي؟ يتألف من جسد وروح وعقل. وماذا يعني جسد وروح وعقل؟ جسد بحاجة إلى مأكل ومجلس ومسكن. وروح وإحساس وعواطف وغرائز تريد أن تمارس حريتها. وعقل يرشد ويحكم بالغرائز والعواطف والأحاسيس بما هو خير وبما هو شر ولكن ما هو الخير وما هو الشر؟ هل يفهم عقلي الخير والشر كما يفهمه غيري؟.
ما هو معيار الخير والشر؟
أين تكمن الحقيقة؟
إذا توصلت إلى الحقيقة بنفسي وعقلي. هل يمكن للآخر الذي عليَّ أن أعيش معه اجتماعياً أن تكون حقيقتي التي كشفتها مقبولاً لديه؟
وماذا لو رفض ذلك؟
ما العمل ونحن الاثنين مجبرين على أن نعيش اجتماعياً معاً ؟
هل يجب علي أن أؤمن بالحقيقة التي كشفتها وأحاول فرضها على غيري على أنها الحقيقة المطلقة؟
أم عليَّ أن أؤمن بأن الحقيقة المطلقة لا وجود لها . وأن الحقيقة نسبية وبحاجة لآخر يكشفها ؟
وأعتقد هنا لب المشكلة . إنني أعيش كما يريد غيري أن يعيش ولكل منا جسد وروح وعقل لهذا التكوين لكي نفكر بكشف الحقيقة من الواقع. هذا الواقع منه نأكل ونلبس ونسكن ونمارس فيه حريتنا. فلماذا نذهب بعيداً إلى الوراء أو إلى الأمام لكشف الحقيقة؟
هل يمكن أن نتعامل مع الواقع الحالي بآراء وأفكار السابقين؟ وهل يمكن طرح حقيقة مقولبة لأناس سيلدون في المستقبل ويعيشون مع واقع لم يأت بعد؟ إن التفكير بهذه الأسئلة والإجابة عليها استغرق مني وقتاً طويلاً. وسألت نفسي لو بقيت مع التفكير المجرد – هل يمكن أن أصل إلى حقيقة يوماً ما ؟ فقررت النزول إلى ميدان الواقع، علني أستطيع التأكد والتفريق بين الحقيقة المزيفة والحقيقة الصائبة.ومن هنا بدأت أراجع كل المفاهيم التي كنت أؤمن بها وأتخذ أصناماً للعبادة لاستخدامها مع الواقع لأرى نتائجها. وهكذا بدأت رحلتي الطويلة مع الحقيقة. لقد خطر ببالي قصة سمعتها من الأدب الشعبي الكردي. قصة ذلك اليزيدي الكردي واتخذها مناراً لي لكشف الحقيقة المزيفة عن الحقيقة الصائبة. لقد استفدت كثيراً خلال صداقتي للشعب الكردي وتبني قضيته العادلة. من التراث الشعبي الكردي بالإضافة للتراث الشعبي العربي. وهنا ظهرت لي حقيقة لا تقدر بثمن هو التفاعل الثقافي. فبالإضافة إلى ثقافتي الشعبية العربية أضفت ثقافة أمة أعيش معها كما عاش آبائي وأجدادي العرب هذه الثقافة التي لا تقدر بثمن والتي حاول المثقفون الانتهازيون منذ خمسين عاماً من عمر الدولة القومية منعها وحذفها وإنكارها والقضاء عليها بكل الطرق والأساليب. فتكونت شخصيتي من ثقافتين عربية وكردية، تعاملت بها لتفسير الواقع بغية كشف الحقيقة. توصلت إلى معرفة حقيقتي الإنسانية الحقيقية وبها ولدت إنساناً جديداً محباً للإنسانية بكل جمالها. تعالوا معي، لنقرأ قصة ذلك اليزيدي من الأدب الشعبي الكردي:
شاب يزيدي توارث ثقافة أجداده منذ آلاف السنين ، لقد أفهموه منذ نعومة أظفاره بأن مجرد ذكر كلمة”الشيطان” ستمطر عليه من السماء أحجار لتحطم رأسه وهكذا كبر وترعرع وهو يعيش في قلق ووسواس دائمين من ذكر كلمة “الشيطان” هذه الكلمة التي أصبحت من المحرمات والمقدسات. التي لا يمكن ذكرها لأن فيها موته. كبر هذا الشاب وخطر بباله يوماً أن يفكر بإنسانيته فأدرك بأن له عقلاً يفكر به لتفسير الواقع والتعامل معه. فبدأ يسأل نفسه ما قيمة هذا إذا لم يستخدمه لتفسير الواقع والتعامل معه؟ لماذا يشل قدرة هذا العقل بأقوال ومفاهيم وأساطير وخيالات. قيلت منذ زمن بعيد والذين قالوا بها ماتوا ولن يعيشوا بيننا اليوم؟ ترى هل يمكن فهم الواقع والتفاهم معه اليوم بعقول من ماتوا منذ زمن بعيد؟ فقرر أن يجرب عقله ويتحرر من هذا الحصار عله أن يتخلص من كل هذه الأوهام والقلق الذي يعيش فيه وهكذا قرر أن يستخدم عقله الذي يملكه. ولكن كيف؟ لقد وجد الحل.
أخذ بقرته الذي كان يملكها إلى البرية. وانبطح تحت البقرة آخذاً احتياطاته. وعندما ذكر كلمة”الشيطان”، فإذا أمطرت عليه السماء أحجاراً. فلا بد أن تصيب ظهر البقرة بالأول فيكون هو قد سلم. وهكذا نفذ ما خطط في عقله التجربة. ليتأكد من ثقافة آبائه وأجداده. وانبطح تحت البقرة وغمض عينيه وصاح “الشيطان” مرة واحدة. وانتظر برهة. ليرى ما إذا كان هناك أحجاراً تهطل عليه. فلم يسمع أي صوت، ثم كرر مرة ثانية “الشيطان” ثم الثالثة والرابعة ولم يسمع ولم يشاهد هطول الأحجار من السماء، وهكذا انتهت التجربة وقام. وبدأ يركض يمينا ويساراً في الفلات وهو يصيح “الشيطان – الشيطان..” آلاف المرات، تمالكه شعور بالفرح والسعادة، بعد أن تحرر من الكابوس والأوهام كانت تنغص عليه حياته وأسرع عائداً إلى القرية وهو يردد بأعلى صوته ” الشيطان – الشيطان”. تجمع أهل القرية وهم يرددون دعاء الشفاء لهذا الشاب الذي فقد عقله، ولا بد من أنهم سيتعرضون لهطول الأحجار من السماء وبذلك تقع الكارثة عليهم.
لقد كان مشهدا تراجيدياً حقاً، فهو يشفق على أهل قريته ، بعد أن كشف الحقيقة وهو يعتبرهم مجانين، وبالتالي أهل القرية يشفقون عليه وهم يعتبرونه مجنوناً فقد عقله. ولكن الشاب لم يسكت عن الترداد بكلمة الشيطان بعد أن كشف الحقيقة المزيفة واستعاد إنسانيته وتخلص من كوابيسه وأحلامه المزعجة التي كانت تنتابه من هذه الثقافة التي ورثها. ولا أعتقد أن هذا الشاب سكت طوال حياته. تلك هي قصة ذلك اليزيدي انتهت، ولتبدأ قصة أبو إلياس:
قصة أبو إلياس:
بدأت قصتي مع انتهاء قصة ذلك الشاب اليزيدي. قصتي مع الحقيقة والواقع وسأكون مدينوناً لذلك الإنسان الكردي الذي قصة لي هذه القصة من الأدب الشعبي الكردي طوال حياته، لأنه علمتني كثيراً. وأنا أيضاً قررت أن أستخدم عقلي لتفسير الواقع والوصول إلى الحقيقة.
بدأت أستعيد ذاكرتي. أتذكر عندما كنت شاباً في دار والدي في مدينة الموصل بالعراق. كانت دار والدي تشرف على السجن ، كنت أرى باحة السجن من الشباك وفي هذه الباحة أرى مشاهد عجيبة وغريبة لا يتصورها العقل، عشرات بل المئات من الناس يشنقون في باحة السجن بالجملة. كنت أرى كيف يشنقون ثم يأتي الطبيب ليتأكد من موتهم. وعندما كنت أسأل ما ذنبهم وماذا ارتكبوا كل ما كنت أسمعه هو أنهم أكراد. إذن مجرد أنهم أكراد يجب أن يشنقوا. ولكن لماذا؟
لقد أفهمنا مثقفونا الانتهازيون لكي يعلوا شأن العربي ووطنه وحضارته وثقافته يجب أن يشنق الكردي. وهكذا سن القوانين والشرائع، وأقيمت كل الأجهزة التنفيذية لذلك، لشنق الكردي وإمحائه وإنكاره من الوجود. على أمل أن يعلوا شأن العربي أرضاً وشعباً وحضارة، لكنني كبرت وطال بيَّ الزمن. فلم أجد علواً ولا سمواً للعرب لا وطناً ولا شعباً ولا حضارة ولا ثقافة، وبدأت أسأل لماذا؟
وهكذا قررت كما قرر اليزيدي الكردي ، أن أستخدم عقلي لمرة واحدة لأرى ماذا يعطيني الواقع بالتجربة. يومها كنت عضواً في الحزب الشيوعي العراقي وبعدها انتقلت إلى الحزب الشيوعي السوري، هذا منذ عشرين عاماً ، وكان من المفروض أن تكون الأحزاب الشيوعية أول المدافعين عن المظلومين والمضطهدين، والأكراد يشنقون كونهم أكراداً تفحصت برامجنا السياسية وثقافتنا الحزبية فلم أجد كلمة الكردي. يومها أدركت الحقيقة المزيفة التي كنا نعيشها. فإذا كان هذا حال أحزابنا الشيوعية.فما بال الأحزاب الأخرى. وإنه لمن الغرابة حتى التيار الإسلامي كل أدبياته وخطاباته تخلوا من كلمة الكردي. وتبين لي أن الاشتراكي والديمقراطي والقومي والديني كلهم مشتركون في خطاب واحد، هو إنكار وجود الكردي، لا لغة ولا تاريخاً ولا أرضاً ولا شعباً ولا ثقافة، والكل متفقون على قتله، وإنهائه من الوجود، والكل مشتركون في فلسفة واحدة، وهو أن لا علو ولا سمو للعربي إلا بقتل الكردي وجوداً وثقافة وتاريخاً ووطناً.
لقد قرر اليزيدي الكردي أن يستخدم عقله لفهم الواقع. وأنا أيضاً “أبو إلياس” العربي أستخدم عقلي لفهم الواقع، كلانا مشتركين في الوسيلة- العقل – ولكننا اختلفنا في التكتيك فهو استخدام البقرة وأنا كتبت البيان، سمي فيما بعد “ببيان أبو الياس” قدمت هذا البيان لمؤتمر الحزب الشيوعي السوري في مدينة حلب. مذكراً الحزب بحق تقرير المصير للشعوب، الذي هو العمود الفقري للماركسية اللينينية ، وطالبت بتصحيح برنامج الحزب بكامله، وإنزال حق تقرير المصير للشعب الكردي. هذه الحقيقة التي نعيشها معها ما قبل الميلاد بعشرة آلاف سنة. لن أكتب سوى نسخة واحد وبقلم يدي ولا أعرف من أخذها مني بالذات، فكانت المفاجأة، لقد تحولت هذه النسخة إلى ملايين، شملت كل الشرق الأوسط وأوربا بكاملها. لقد جاءني ألوف من الناس لا أعرفهم ولا تربطني بهم أي روابط يقدمون ليَّ التهاني وكلمات الشكر ويعبرون عن أصدق العواطف الإنسانية النبيلة. وحتى البعض أتوا وكانوا مختلفين فيما إذا كان يوجد في هذا الزمان شخص يمكن أن يقول الحقيقة، وإذا بي أصبحت بروحي وعقلي ملكاً للحقيقة، التي تعبر عن طموحاتي وآلام إنسانية مكبوتة وتطلب المزيد.
فكان خطاب نيروز. ثم دوحة الحرية. والحقيقة رقم -1- والحقيقة رقم -2- وها هي الحقيقة رقم -3- . لقد تفجرت كل ينابيع الإبداع الإنساني في داخلي. وبدأت أشعر لأول مرة بطعم الحياة الإنسانية النبيلة، وعندما أدركت عظمة الناس العظام والأنبياء الذين يكرسون حياتهم لمعاناة بني الإنسان، الذين يسحقون كرامتهم الإنسانية. وهكذا لم يعد باستطاعتي الرجوع إلى الحياة البدائية الخالية من أية مشاعر وعواطف إنسانية. وهنا تذكرت قول نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم (( لو وضعوا الشمس على يميني والقمر على يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته)) وإني أيضاً أقول “لو وضعت الشمس على يميني والقمر على يساري على ؟أن أترك طريق الحقيقة فلن أتركها”. بعد أن حصلت على إنسانيتي.
صوت من أبي إالياس – بعد تجربتي – إلى أبناء الأمة العربية والفارسية والتركية:
انطلق أيها العربي والفارسي والتركي وحرر لسانك من الخرافة والأسطورة التي عقد بها لسانك المثقف الانتهازي. واصرخ، وقل الكردي، الكردي إلى ما شئت، لن تمطر السماء عليك أحجاراً لتهشم رأسك، إنها كانت خرافات وأساطير كاذبة مزيفة، لم تحفظ روحك ولا مالك ولا تزيد ثروتك ولا تحفظ أولادك من كل مكروه. فمثلما كشف اليزيدي الكردي الحقيقي، حقيقة قول كلمة الشيطان، الذي كان يعقد به لسانه المزيفون ، كذلك كشفت أنا أبو الياس حقيقة قول كلمة الكردي، والذي منعنا المثقف الانتهازي من قولها وعقد بها لساننا. وها إنني أقولها وأصرخ: هناك كردي وشعب كردي ووطن اسمه كردستان ، يشاركنا في تاريخ طويل، لقد تسببنا له بعذاب وآلام لا نهاية لها… على الكردي أن يأخذ حقه بالكامل ويحتل موقعه تحت الشمس بجانب العربي والفارسي والتركي، ستربح الأمم الأربعة كثيراً .
ونحن ندخل عام 2000مـ كل الجهود والأموال والأرواح التي بذلناها ، لإنكار وجود الكردي وإزالته من الوجود ، ذهبت أدراج الرياح لم يعل شأننا ولم نسمو ، وها نحن نسير في مؤخرة ركب الإنسانية المتقدمة حضارياً . أطلق صرخاتك وردد اسم الكردي، فمثلما تخلص اليزيدي الكردي من كوابيسه ووساوسه النفسية ، ستتخلص أنت أيضاً من ذلك.
كل ثقافة الماضي وسياساته ومجتمعاته وبناء الإنسان بموجبه قد انتهى. إن المجتمعات البشرية قد تحولت إلى مجتمعات أخرى تماماً لا مكان للعيش ضمن مجتمعات مختلفة بسبب التحولات الكبيرة والجذرية التي حدثت ، ونحن بقينا بعيدين عن هذه التحولات، ليس للكردي أي ذنب فيها.
بناء الإنسان- وبناء المجتمعات، وأهمية المتغيرات العالمية.
في مطلع عام 2000مـ يكون قد بلغ عدد سكان الكرة الأرضية ستة مليارات من البشر، موزعة على أمم وشعوب، ست مليارات من البشر بحاجة إلى مأكل وملبس ومسكن ووسائل إنتاج للإنتاج. ولا يمكن أن تتم عملية الإنتاج بدون هذه الوسائل… ومع ظهور ثورة المعلوماتية باتت الكرة الأرضية بأكملها قرية صغيرة، لم يستطع أحد أن يعيش بمنعزل عن الآخر. ولا يستطيع أن يخفي شره أو حسناته عن الأعين. لم يعد هناك مجال للخداع والتضليل. لقد ظهرت إلى الوجود مجتمعات تكنو قراطية جبارة ، وهذا يعني أن النسيج الاجتماعي لهذه المجتمعات قد تغير. لذا يجب أن يبني الإنسان وفق هذه التغيرات ويكون كهدف استراتيجي ولم يعد بإمكان أي إنسان أن يعيش في المجتمعات القديمة مطلقاً، فإما أن يتحول المجتمع القديم إلى مجتمع جديد وإما أن ينتهي من الوجود. وهذا يعني الموت.
متطلبات الإنسان في المجتمع الجديد:
لم يعد بوسع الإنسان أن يعيش بدون كهرباء، وماء ، وتلفزيون ، وبراد ، وغسالة ، وهاتف ، وسيارة ، وجرار،الخ… إن كل هذه المتطلبات الضرورية ينشأ عنها أن يدفع الفاتورة . فاتورة المياه – الكهرباء – المالية – رسوم السيارات والجرار…الخ ولكن دفع هذه الفواتير والرسوم والضرائب يحتاج إلى حركة اقتصادية جبارة.. وإلا فإن الكلام عن تقرير العامل السياسي وتطبيق القانون غير الممكن على الإطلاق. إن إصدار الأحكام عن الناس ، وهم لا يستطيعون دفع هذه الفواتير والرسوم ، يعني جر آلاف الناس إلى السجون ، وإن الآلاف ستصبح عشرات ومئات الآلاف. إن تعزيز القانون بهذا الشكل سيؤدي إلى كارثة حتماً… إن العيش مع أدوات عصرية . يجب أن يرافقه العيش مع مجتمع قائم على الاقتصاد الصناعي، وإلا فقد الأمن والسلام. ومع فقدان الأمن والسلام، يفقد الأمن السياسي والقانوني مشروعية. وبذلك يفتح المجال إلى انتشار كل الأمراض الخطيرة في جسد المجتمع بأكمله.
أهمية العامل الاقتصادي في توفير الأمن والسلام على مستقبل الإنسان:
يلعب في حياة الإنسان والمجتمعات الإنسانية العوامل التالية:
- العامل الســـــياسي .
- العامل الإيديولوجي.
- العامل الــثـــقــافـي.
- العامل الاقتـصادي.
ويلاحظ من حركة التاريخ ، إن العامل الاقتصادي هو الذي يحدد تطور الإنسان والمجتمعات ، ولكن العامل الاقتصادي مر بمرحلتين تاريخيتين في حياة المجتمع الإنساني :
- مرحلة المجتمع القائم على الاقتصاد الطبيعي.
- مرحلة المجتمع القائم على الاقتصاد الصناعي.
ويلاحظ أيضاً من دراسة حركة التاريخ، أن العامل السياسي والأيديولوجي كان يتعزز باستمرار ما دام المجتمع الاقتصادي الطبيعي قائماً… فالشعوب التي استطاعت أن تعزز العامل الأيديولوجي، حظيت بتعزيز العامل السياسي وأصبح له الدور المهيمن، وقام بحركة استعمارية نشطت ، ولكن لدى ظهور مجتمعات ذات الاقتصاد الصناعي ، تغير الوضع تماماً، فظهر العامل الاقتصادي بالدرجة الأولى. وكل العوامل الأخرى تراجعت إلى الخلف، وأصبح في خدمة تعزيز العامل الاقتصادي.
- بناء الإنسان في مجتمع الاقتصاد الطبيعي .
- بناء الإنسان في مجتمع الاقتصاد الصناعي.
- بناء الإنسان في مجتمع الاقتصاد الطبيعي:
لقد لعب الأيديولوجي دوراً كبيراً ومهماً في بناء الإنسان في المجتمع الطبيعي وذلك للأسباب التالية:
1- هيمنة الفكر الميتافيزيقي :
إن كل المقومات المجتمع ذات الاقتصاد الطبيعي تقوم على زراعة الحبوب – قمح – شعير – بقول – وتربية المواشي ومرعى جيد… وكل هذه العوامل الاقتصادية تحتاج إلى المطر والمناخ الملائم، ولما كان الناس مؤمنون بأن ما ينزل من السماء خاضع لإرادة قوة مطلقة “الله” وهو مقسم الأرزاق، فإذا لم يهطل مطر كاف وساد الجفاف. عمَّ الفقر والجوع وانتشرت الأوبئة التي تحصد أرواح آلاف الناس، إن معرفة الناس بالظواهر الجوية والمناخية، وأسباب إنشاء الأوبئة لم تكن معروفة كانوا يلجؤون لمعرفة ما أصابهم إلى المثقف الأيديولوجي ” كاهن – شيخ – إمام الخ…” فيقدم لهم التفسير وعادة كان يُحمل الناس مسؤولية ذلك. وكان يقول لهم إن ضعف إيمانكم هو السبب، وما عليكم إلا تطهير أنفسكم وزيادة عبادتكم وإطاعة أولي الأمر منكم. وبذلك يقتنع الناس بذلك وينتج عن ذلك عاملين 1- تعزيز العامل الأيديولوجي . 2- تعزيز العامل السياسي . فسواء أكانوا فقراء أو أغنياء يقتنعون بما أصابهم فيكون العامل السياسي والأيديولوجي خارج دائرة الملام، فكان يسود الأمن والسلام بين الناس”، ويقدمون أرواحهم وطاعتهم للعامل السياسي والأيديولوجي لأنهم الحراس الأمينين كما يعتقدون ويسعون إلى نشره. فكان بناء الإنسان أمراً سهلاً.
2- بناء الإنسان في المجتمع القائم على الاقتصاد الصناعي:
ومع ظهور مجتمع الاقتصاد الصناعي انقلبت كل الأمور رأساً على عقب، وذلك بسبب ظهور الفكر المادي. لقد تراجع الفكر الميتافيزيقي إلى الخلف وتقدم الفكر المادي وهيمن بصورة تامة، فأصبح بناء الإنسان ذو الفكر المادي أمراً محتماً، واتجه الناس لدراسة العلوم الطبيعية وظهرت الثورات التالية: 1- ثورة ثقافية 2- ثورة علمية 3- ثورة تكنولوجية.
ونتيجة هذه الثورات المتعاقبة زاد إنتاج الخيرات المادية وتغير مأكل وملبس ومسكن الإنسان وحاجاته وأدواته الإنتاجية. وانتقل المجتمع من كل النواحي من الظلام إلى النور. وإن العودة إلى الوراء أصبح أمراً مستحيلاً، فظهرت الكهرباء ، السيارة ، والطيارة ، والقاطرة والتلفون الخ… وبظهور الثورة المعلوماتية أصبح الانتقال إلى مجتمع العولمة أمراً محتماً . لذلك أصبحت حركة التاريخ تفرض على المجتمعات أن تبني إنسانها وفق ما يطلبه التاريخ، إن السكون يعني الموت. ومجتمع العولمة مجتمع تكنوقراطي. وبذلك يكون دور العامل السياسي والأيديولوجي والثقافي في بناء الإنسان الذي يستطيع أن يتلاءم مع المجتمع التكنوقراطي. لأن العيش بدون هذا المجتمع يعني الموت. وذلك للأسباب التالية:
– الإنسان يملك في داره الأشياء التالية:
( كهرباء – صنبور مياه – تلفزيون – براد – غسالة – هاتف ..الخ) فإذا تعطلت أدواتك الكهربائية فأنت بحاجة إلى كهربائي، وإذا تعطلت سيارتك أو جرارك فأنت بحاجة إلى ميكانيكي، وإذا تعطل صنبور المياه فأنت بحاجة إلى مصلح مياه. وإذا احتجت إلى دواء فأنت بحاجة إلى كيميائي الخ … إن رسم أية سياسة أو أيديولوجية ما، لم يكن هدفها الاستراتيجي تعزيز المجتمع التكنوقراطي، يكون خارج التاريخ، وإن طوفان نوح بانتظاره .
إن النسيج الاجتماعي للمجتمع التكنوقراطي هو الفيزيائي والكيميائي والجيولوجي والميكانيكي والالكتروني الخ… إن هؤلاء هم العمود الفقري للمجتمع التكنوقراطي. إن قوة أي مجتمع أصبحت تقاس بما يملك من هذه العقول المبدعة، لم تعد المساحة الجغرافية ولا عدد السكان ولا الخيرات الباطنية والظاهرية ولا بما يملك من جيوش وأجهزة بوليسية قوية. ولا بعدد السياسيين ولا بعدد الأدباء والشعراء الخ… فكل مجتمع يخلو من هذه العقول المبدعة فهو يتجه نحو الانتحار الجماعي. إن تعزيز المجتمع التكنوقراطي هو الهدف الاستراتيجي لرسم أي سياسة.
والسؤال الهام الذي لابد من أن نسأل ولابد من الإجابة عليه هو:
كيف يمكن أن نجد هذه الأدمغة المبدعة من بين المجتمع ونحافظ عليها؟
إن الفترة التاريخية لظهور مجتمعات الاقتصاد الصناعي وامتدادها نحو الشرق هي الفترة المهمة التي يجب دراستها لنرى أين موقعنا من هذا العالم المتحرك. إن هذه الفترة التاريخية هو الذي يهمنا نحو شعوب الشرق الأوسط العربية والفارسية والتركية والكردية. لأن حياتنا كلها متوقفة حاضراً ومستقبلاً عليها، وعلى مدى أهميتها وأخذ العبر والدروس منها وكيفية تعاملنا معها. مع بداية الحرب العالمية الأولى كان قد تم سراً الاتفاق بين الدول الاستعمارية. إنكلترا وفرنسا، عرفت هذه الاتفاقية باتفاقية “سايكس بيكو” وقد نصت على تقسيم الإمبراطورية العثمانية، والتي كانت آخر إمبراطورية قائمة على أساس الأيديولوجية الدينية. ومع نهاية الحرب كان قد تم سلخ كل الشعوب والأراضي التي كانت تابعة لهذه الإمبراطورية. وتم تقسيم جغرافية المنطقة وفق أهدافهم الاستراتيجية لمصالحهم القريبة والبعيدة، وظهرت في الشرق الأوسط دول قومية مقلدة للغرب. وفي هذه الفترة ظهر انعطاف تاريخي هام بظهور الثورة البلشفية في روسيا القيصرية. وتمكنت من استلام السلطة بعد حرب أهلية رهيبة، وأعلنت دولة اشتراكية. ألغيت الملكية الخاصة لأول مرة في التاريخ. وهكذا ظهر أول تحدي للملكية الخاصة، وللطبقة البرجوازية الرأسمالية في الغرب. وبعد أن تم القضاء على حرب التنافس الاستعمارية وتقسيم العالم في الحرب العالمية الثانية بين الدول الرأسمالية. وجدت الدول الرأسمالية نفسها أمام أكبر تحدي لها هو الاتحاد السوفيتي وهكذا انقسم العالم إلى قطبين:
- المنظومة الاشتراكية – بقيادة الاتحاد السوفيتي – الملكية الجماعية.
- المنظومة الرأسـمالية – بقيادة الولايات المتحدة – الملكية الخاصة.
وبدأ صراع جديد في العالم – الصراع الأيديولوجي – مع نهاية الحرب العالمية الثانية.
الحرب الباردة والدول القديمة في الشرق الأوسط – ومرحلة الدلال:
مع حلول عام ألفين يكون قد مضى على ظهور دولنا القومية خمسون عاماً. إن المجتمعات التي تمكنت من بناء نفسها تتحول إلى مجتمع التكنوقراطي قد سلمت. أما المجتمعات التي ضعيت هذه الفرصة التاريخية خلال هذا الصراع التاريخي بين القطبين ضاعت وضاع معها كل أحلام أبنائها في التطور والتقدم.
ففي الوقت التي كانت المجتمعات ترسم سياسات بعيدة المدى للمستقبل، كنا نسير نحن في الشرق الأوسط بعكس التاريخ تماماً. إن سياسة الدلال التي كنا نلعب عليها انقلبت علينا دماراً وتخلفاً. كنا إذا انزعجنا من الشرق نهددهم بأننا سنلجئ للغرب ونصبح رأسماليين. وإذا انزعجنا من الغرب نهددهم بأننا سنلجئ للشرق ونصبح اشتراكيين. كنا نفكر بأن هذا الدلال وهذه المعادلة ستستمر إلى الأبد. لم يكن أحد يفكر بالتخطيط لبناء مجتمع المستقبل، وما الداعي، ما دام كل ما نريده من مواد استهلاكية ووسائل عمل نستوردها من هنا وهناك. لقد عززنا العامل السياسي بكل قوة بحيث لا يستطيع أن يطير طيراً فوق سمائنا. إن هذا التعزيز للعامل السياسي والأمني، نتج عنه أخطر مرض أصاب كل دول العالم الثالث القومية وهو:
هجرة الأدمغة المفكرة:
لقد فتحنا المدارس والمعاهد والجامعات وترجمنا كل الكتب العلمية. وخصصنا ميزانيات ضخمة للتعليم. كل هذا صحيح ولا أحد يستطيع أن ينكر ذلك ، لقد تخرج أجيال من المتعلمين فكانت النتيجة كما يلي: كل الفيزيائيين والكيميائيين والمهندسين والجيولوجيين والالكترونيين، ذهبوا للغرب، وبقي لنا كل المتعلمين الذين يريدون التوظيف، لقد تحولت كل معاهدنا وجامعاتنا إلى تخريج العقول المبدعة للغرب، أما لماذا حدث هذا؟ هو فقدان الأمن والسلام. إن المثقفين الانتهازيين الذين خططوا أيديولوجيات لدولنا القومية وبنى عليها السياسيون سياساتهم عليها كانوا يدركون هذا تماماً. سرنا وراء العاطفة ومشينا خمسين عاماً. وفقدنا الأمن والسلام بيننا، لقد بينت في “طريق الحقيقة رقم 2” مفهوم الانفصال والآثار المدمرة، مما أصابنا منه، وهكذا ضاعت علينا فرصة تاريخية من مرحلة صراع القطبين. وبقيت مجتمعاتنا في مرحلة الاقتصادي الطبيعي ولا زلنا في نقطة الصفر. نعم لا زلنا في نقطة الصفر. ولا بد من بيان الآتي:
لقد انتهت الحرب العالمية الثانية، لقد ملكنا دول قومية، الأمم الثلاث العربية والفارسية والتركية. ملكنا الأرض والشعب والسيادة والعلم. وبقيت الأمة الكردية بدون دولة قومية، أما لماذا أبقوا الأمة بدون دولة قومية؟ وكان بإمكانهم ذلك. وهنا تكمن سر المنطقة بأكملها، وأعتقد أن الأمر يحتاج إلى عقول كبيرة للكشف عنها، المهم شكلت الأمم الثلاث العربية والفارسية والتركية دولاً قومية وأجهزة بوليسية وجيوشاً جرارة صرفت عليها مليارات من المال وما زال يعززها. فمن الناحية الاقتصادية دخلنا مرحلة الدولة القومية بالمحراث الخشبي للإنتاج فكان كل اقتصادنا قائم على إنتاج الحبوب والمرعى الجيد. من الناحية الاجتماعية دخلنا مجتمع الدولة القومية سادة وعبيد. وبقينا سادة وعبيد. وإنكار الواحد للآخر تماماً كما كان في العهد العبودي. فلم نتمكن من بناء إنسان الحرية والمساواة والإخاء. أبقينا على بناء إنسان العبد والسيد. الإنسان الذي يحقد ويقتل ويكره ويخالف الآخر في رأيه وعقله وتجاربه. الإنسان الذي يتمسك بحقيقته ويعرضها على الآخر على أنها الحقيقة المطلقة، وها نحن نترك ورائنا مرحلة الدلال.
ومع بداية عام 2000مـ نقف وجهاً لوجه أمام مجتمعات تكنوقراطية جبارة بكل اقتصادها وأدواتها ومبادئها ومثلها العليا. ونحن لا نملك من كل هذه المقومات شيئاً. لم تعد تنفعنا مساحة الأرض ولا السيادة ولا العلم، ولا كل الجيوش الجرارة والأجهزة البوليسية التي صرفنا عليها المليارات، لم تعد تستطيع أن تحمينا من لسعة الصواريخ الذكية ولا من لسعة طائرات الشبح ولم تعد تستطيع أن تقدم لنا المأكل والملبس والمسكن جيد.
لقد أصبحت حياة الإنسان المجتمعات متوقفة على صنع السيارة والطيارة والجرار والإلكترون والحفارات والتلفزيون والهواتف إلخ… والمجتمع الذي لا يستطيع أن يصنع هذه الأدوات لم يعد له مكان على سطح الكوكب. وهذه الأدوات يصنعها الفيزيائيون والكيميائيون والجيولوجيون والالكترونيين الخ…. إن المجتمع الذي لا ينتج هؤلاء الناس ويحميهم – ليس أمامه سوى الموت أو أن يتحول إلى تابع مهما كان عنده من ماض عريق. إن التغني بالأمجاد والبكاء على الأطلال لا يجدي نفعاً. لقد بات العامل السياسي والأيديولوجي والثقافي عوامل مساعدة فقط للبحث عن هذه العقول المبدعة، وخلق مناخ ملائم لهم للاحتفاظ بهم ولكي يبدعوا.
طريق الخلاص هو الأمن والسلام.
بدون الأمن والسلام لا يمكن ذلك، إن تعزيز الأمن والسلام هو الخطوة الأولى. إن الاستمرار في مجتمع الاقتصاد الطبيعي بات أمراً مستحيلاً. لقد باتت هذه المتغيرات العميقة التي حدثت، تفرض أن يكون هناك مراجعة دقيقة لكل المفاهيم التي طرحها وخطط لها المثقفون الانتهازيون، والتي بنينا عليها مجتمعاتنا كي نتخلص من تلك المفاهيم التي تعرقل سيرنا إلى مجتمع الاقتصاد الصناعي. لم نعد نحن ولا أبناؤنا من بعدنا أن يعيشوا بدون الأدوات العصرية. إذا لم نبن مجتمعاً يصنع هذه الأدوات فسنقتل بعضنا البعض، وسيقتل أبناؤنا بعضهم البعض، وسيدوم مسلسل العنف حتى فنائنا وفنائهم بالكامل. وهل يحتاج ما أقوله إلى برهان؟ إلى كل من لا يريد أن يصدق. انظروا ما آل إليه الحال في (العراق والجزائر والسودان ومصر وتركيا وإيران) لو استطاعت هذه الدول القومية أن تبني مقومات الدولة القومية كما ظهرت في أوربا، من الناحية السياسية والاقتصادية والتصنيع لما آلت إلى هذا الوضع. الألوف من أبناء العراق يموتون جوعاً لا طعام ولا شراب ولا دواء ولا أدوات إنتاج، وهم يملكون دولة لها أرض وشعب وعلم وسياسيين وعسكر وبوليس. وفي الجزائر يذبحون بعضهم كالعناج، بالبارود والفأس والمنشار والخنجر. وهكذا في السودان ومصر وتركيا وإيران. شعوب تذبح نفسها بنفسها، عشرات بل مئات من أجنحة المعارضة لا شيء يجمعهم سوى الموت، ولماذا الموت؟ لأن الدولة التي بنيت لم تترك أمامهم سوى خيار الموت والانتحار، لو كانت هذه المجتمعات تصنع الجرارة والطيارة والسيارة والإلكترون والدواء والهواتف الخ… لظهر مجتمع الوفرة ولما حدث هذا. الإنسان يعشق الحياة ولا يعشق الموت. ولكن إذا لم يكن هناك مناخ للحياة، سيكون مناخ الموت هو البديل. لا تستطيع أي قوة مهما بلغ عددها وعدتها أن تبلغ الأمن والسلام في مجتمع الندرة. إن حركة التطور التاريخي قد خلق وضعاً صعباً للغاية يجب الخروج منه. إن إنسان مجتمع الاقتصاد الطبيعي لا يستطيع أن يعيش مع اقتصاد المجتمع الصناعي. إن المجتمع المستورد لأدوات المجتمع الصناعي سيصاب بكثير من الأمراض الخطيرة لا يمكن الشفاء منها إلا بالموت.
الأمن والسلام هو الخطوة الأولى لطريق الخلاص:
لتوضيح هذا الطريق، لا بد من وضع قضية أخرى تحت المجهر، لما لأهميتها في طريق الأمن والسلام في الشرق الأوسط على مستقبل شعوب المنطقة بأكملها.
تركيا وترشيحها لعضوية الاتحاد الأوربي تحت المجهر.
تركيا والقضية الكردية وترشيحها للاتحاد الأوربي.
لقد ظهرت إلى الوجود تركيا كجمهورية قومية في نهاية الحرب العالمية الأولى، ووضع لها مؤسسها مصطفى كمال أتاتورك الإيديولوجية التالية:
- تركيا واحدة موحدة أرضاً وشعبا “واحداً ” سعيد من يقول أنا تركي” .
- أصدر فرماناً بجعل كل ما هو في تركيا أوربياً، وبذلك أدار ظهره لكل ما يربطه بالشرق وثقافته، وأراد بقرارات سياسية أن يمحو من ذاكرة الشعب التركي.
- بنى جهاز ضخم من القوة التنفيذية (جيش وبوليس) لتطبيق هذه الفرمانات، وانتقل تقليد هذه الفرمانات إلى العرب والفرس والعالم وكان أخطرها “سعيد من يقول أنا تركي”.
فقلدها العرب ” سعيد من يقول أنا عربي”
والفرس “سعيد من يقول أنا فارسي”
وقلدها هتلر ” سعيد من يقول أنا آري”
وموسيولوني “سعيد من يقول أنا روماني”
واليابان ” سعيد من يقول أنا ياباني”
هذه الفكرة العنصرية أطلقها كمال أتاتورك وقلدها الآخرون وأصبحت موضة القرن العشرين، تسببت بإشعال حرب عالمية ثانية. خلفت وراءها مقتل مئة وعشرين مليوناً من البشر بالإضافة إلى الدمار الهائل.
لقد زرع تلك الشتلة وامتدت جذورها في أرض تركيا فتشعبت إلى أن شملت كل الكرة الأرضية وأصبح لها حماتها ومنتفعوها ولا يهمهم ما يحل بالبشرية إن انتفاعهم هو الأمم .
ولكن ما هو حكم التاريخ:
ها هي تركيا بعد التحولات الجذرية التي حدثت في التاريخ العالمي تقف أمام خيارين إما الموت أو البحث عن طريق الخلاص. وأخيراً وجدت خلاصها في الانضمام للاتحاد الأوربي. هكذا إذاً بكل بساطة تريد الانفصال عن الشرق، تركيا تريد الانفصال، وقررت تغير هويتها، من شعب شرق أوسطي إلى شعب أوروبي، هذا من الناحية العاطفية. والسؤال هل يمكن ذلك من الناحية الواقعية؟ وماذا عن الميراث الثقيل الذي خلفته وراءها منذ ثمانين عاماً؟
ماذا لو أراد العرب والفرس والأكراد أيضاً، هل يمكن ذلك؟ ما هي المشاكل والصعوبات الواقعية التي يمكن أن تظهر؟ إن الإجابة على هذه الأسئلة يمكن أن تعطينا رؤية واضحة لتفهم الواقع. ترى أين يمكننا أن نحصل على رؤية واضحة عن الواقع؟ وحسب قناعتي وجدت الجواب.
- من ثلاث قصص من الأدب الشعب الكردي كوني حملت رسالة الدفاع عن القضية الكردية أينما كانت، وفق رؤيتي الاستراتيجية للواقع والتطورات العالمية التي حدثت، لقد سمعت تلك القصص من أصدقائي الأكراد.
- من الثقافة العربية سمعت قولاً مأثوراً، أو حكمة يمكن الاسترشاد بها لتفسير الواقع. ولنبدأ بسرد القصص الثلاث من الأدب الشعب الكردي .
1ً- قصة الأرمني الذي أسلم.
2ً- قصة الحاكم واللص الظريف “عليكو”.
3ً- قصة سكان القرية الذين قرروا ترك عادة التدخين.
ثلاث قصص تعبر عن واقع تركيا التي قررت الانفصال عن الشرق وتغيير هويتها.
1ً- قصة الأرمني الذي أسلم:
شخص أرمني اسمه “جورج” خطر بباله أن يغير دينه وثقافته وطقوسه وعباداته، وقرر في نفسه أن يصبح مسلماً. وفي مساء أحد الأيام أبلغ والدته بقراره، لقد حاولت والدته كثيراً إقناعه بعدم تغيير دينه، ولكنها لم تفلح، وبقي ابنها مصراً على قراره وردد شهادة إسلامه “أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداًَ رسول الله” وأبلغ والدته بأن اسمه أصبح من الآن وصاعداً “محمد” وسيذهب صباحاً إلى إمام الجامع ليبلغه بقراره ويطلب منه إبلاغ الناس جميعاً بإسلامه وهكذا ناموا.
وفي الصباح استيقظت الوالدة لترى ولدها جثة هامدة، وعندما صرخت وولولت، فجاء الناس إليها، الجيران وأهل القرية ليشاهدوا ما الخبر. فأبلغتهم الوالدة بوفاة ولدها، وبدأت تمزق ثيابها وتشد شعرها وتصرخ وتقوم بحركات غير طبيعية، فتعجب الناس من أمرها، فتقترب إليها رجل حكيم وأدرك بحكمته أن وراء ذلك سر لا بد من معرفته، فقال الحكيم لأم “جورج”: يا أم “جورج”، إن بكائك وصراخك وحركاتك غير طبيعية، إن الموت قانون طبيعي وكل الناس سيشملهم هذا القانون، فلما هذا الوضع الذي نراك فيه، وأجابت أم “جورج”: نعم أيها الحكيم إن الموت حق، وهو قانون طبيعي وإني أدرك هذا. فقال الحكيم: إذاً ماذا هناك. قالت الأم هناك أمر هام وهام جداً. وهذا ما يدفعني للبكاء وهذه الحركات. قال الحكيم: وماذا هناك من أمر هام. قالت الأم: تعلم أيها الحكيم وكل الناس يعرفون أن ابني مسيحي واسمه جورج. قال الحكيم: نعم أعرف هذا ويعرفه الناس، وما وجه الغرابة في ذلك. قالت الأم: إن ابني جورج قد اتخذ قراره بترك دينه المسيحي، وأصبح مسلماً منذ الليل، وردد شهادة إسلامه أمامي. وأنا الشاهد الوحيد على ذلك، وغير اسمه من جورج إلى محمد، وكان يريد في الصباح أن يذهب إلى إمام الجامع ليطلب منه إبلاغ الناس كافة بإسلامه وباسمه، وها أنتم ترونه ميتاً وساكناً إلى الأبد. لقد أصبح ولدي بين حالتين، لقد غير دينه فلم يعد المسيحي يتعرف عليه. ولم يعرفه محمد بعد، ترى ماذا سيكون مصيره في الدنيا والآخرة؟ وأخيراً أدرك الحكيم السر… وقال نعم معك كل الحق بأن تفعلي بنفسك هكذا، إنها فعلاً حالة تستدعي التفكير العميق وتستدعي الشفقة والاستغراب. ونحن بدورنا لا بد أن نسأل تركيا. لقد أدرت ظهرك للإسلام وغيرت اسمك من محمد إلى جورج، ولم يعد محمد يتعرف عليك وماذا لو لم يتعرف عليك المسيح؟ إنها مشكلة تجابه تركيا، وستجابه الشعب العربي والفارسي والكردي أيضاً، ترى كيف يمكن حلها؟
2- قصة الحاكم واللص الظريف “عليكو”:
والتي تجابه تركيا وأصعبها، قصة اللص الظريف عليكو، وسرقة الجمال، عليكو لص محترف اشتهر اسمه في منطقة عفرين وصاحب سوابق. كلما حصلت سرقة كان لعليكو هذا يد فيها أو وراءها. وفي أحد الأيام خطر بباله أن يذهب لتركيا ليسرق هناك.
ودخل أراضي تركيا في منطقة اسكندرون بالتحديد، والتقى في طريقه بقطيع من الجمال، وأخذ القطيع وسار به وأدخله الأراضي السورية، ولما كانت منطقة عفرين لا تستخدم الجمال . استغرق منه عدة أيام لإيصال الجمال إلى مدينة حلب وهناك باعها. فقام أصحاب القطيع بالسؤال والبحث عن القطيع، وتأكدوا بأن القطيع قد اجتاز الحدود إلى داخل الأراضي السورية. فتقدموا بشكوى إلى السلطات السورية، فأدركت السلطات السورية على الفور بأن السارق هو عليكو، وتم القبض عليه وقدم إلى الحاكم.
حوار الحاكم وعليكو:
الحاكم: أيها اللص عليكو، هل سرقت الجمال من تركيا. عليكو: نعم سرقت الجمال. الحاكم: يا عليكو، لقد أصبح لي من الخدمة في سلك القضاء ثلاثون عاماً، لقد مرَّ عليَّ الكثير من دعاوي السرقة، ولكن مثل هذه السرقة لم تمر علي، إنني لا أريد أن أسألك لماذا سرقت وكيف سرقت، ولكنني أريد أن أسأل وأعرف يا عليكو لقد تغيرت الدنيا كلها، لقد تحول وجه الأرض إلى كروم وبساتين وطرق معبدة وأنوار وتكاد لا ترى متراً واحداً من الأرض إلا وترى عشرات الناس، كيف تمكنت من سرقة الجمال وإخفائها عن أعين الناس، والسارق دائماً يحاول أن يخفي ما سرقه عن أعين الناس، والجمال بهذا الحجم الكبير. كيف يمكن إخفاؤها في زمن كاميرات الفيديو والأقمار الاصطناعية ووسائل الإعلام، هل عندك جواب يا عليكو؟ ونحن بدورنا نريد أن نسأل الشعب التركي والعربي والفارسي وكما سأل الحاكم اللص الظريف عليكو. أيها التركي والعربي والفارسي: هل يمكن لأربعين مليون كردي أن يسرق ويخفى من كاميرات الفيديو والأقمار الاصطناعية ووكالات الأنباء العالمية ومنظمات حقوق الإنسان. ومختصراً أمام كل المتغيرات التي حصلت في هذه الدنيا؟ إنه سؤال يحتاج إلى جواب. وأعتقد أنه بإمكاننا أن نرى الجواب في القصة الثالثة.
3- قصة سكان القرية الذين أرادوا ترك عادة التدخين:
سكان القرية كان الكل يدخنون فانقسموا إلى قسمين- قسم قرروا ترك التدخين والقسم الآخر لا يريد ترك التدخين. وجرى الحوار كما يلي: حدد القسم الذي أراد ترك التدخين يوماً معيناً للاجتماع . لإعلان قرار ترك التدخين، وفي اليوم المحدد اجتمع الذين أرادوا ترك التدخين، والمفاجأة الكبرى التي حدثت: اجتمع الذين لا يريدون ترك التدخين أيضاً، فاستغرب الذين أرادوا ترك التدخين من هذا. فقالوا للذين لم يريدوا ترك التدخين: ما الذي أتى بكم وأنتم تعلمون بأننا سنعلن اليوم عن قرارنا بترك التدخين؟ فأجاب الذين لم يريدوا ترك التدخين: نعم نعلم هذا، وقد جئنا لا لسماع قرار ترك التدخين، جئنا لنحتج عليكم ونطالبكم بعدم ترك التدخين… فرد عليهم ولكن التدخين يضر بمالنا وصحتنا، فقال الذين لا يريدون ترك التدخين، هذا لا يهمنا والذي يهمنا هو أن تستمروا في التدخين لأنكم تملكون المال لشراء الدخان ونحن لا نملك المال لشراء الدخان وأنتم تشربون السيجارة وترمون بأعقابها ونحن نلتقطها. فإذا تركتم التدخين فمن أين سنحصل على أعقاب السجائر. وهكذا تم الحوار وانتهت القصة.
أليست مفارقة عجيبة يظهرها لنا التاريخ. وتخبرنا بها هذه القصة.. والمفارقة هي: يكاد لا يأتي مسؤول من الإتحاد الأوربي إلى تركيا ولا يصدر بيان من اجتماعات الاتحاد الأوربي يقولون للمسؤولين الأتراك: التزموا بحقوق الإنسان وإن هناك عندكم شعب كردي فلا بد من حل، والغريب أن نفس هذه الأمة قامت بحركة استعمارية شملت ثلاث أرباع الكرة الأرضية وتضم بين أممها، أمم استعمارية عريقة كانت سباقة للاستعمار، فرنسا – إنكلترا – إسبانية – البرتغال …الخ نفس هؤلاء يقولون اليوم لتركيا، اتركوا عادة الاستعمار – اتركوا عادة التدخين. إنها مؤذية للمال والصحة، إنهم كانوا مستعمرين وتركوا عادة الاستعمار ولا زالت تركيا مصرة على عدم ترك هذه العادة، وتصر على أن تبقى دولة استعمارية ولا تعترف بشعب اسمه الكردي ووطن اسمه كردستان وتريد أن تشرب أعقاب السجائر. يا له من مفارقة عجيبة! هل يمكن لتركيا أن تنضم إلى الاتحاد الأوربي المتحضر الذي ترك عادة الاستعمار والتدخين؟ هل يمكن أن تجلس تركيا بجانب هذه الأمم التي تخلصت من مجتمعاتها ذات الاقتصاد الطبيعي. وتحولت إلى مجتمع الاقتصاد التكنوقراطي؟ كيف يمكن لتركيا أن تتخلص من كل هذا الميراث الثقيل التي تحمله من بناء الدولة القومية وأيديولوجيتها “سعيد من يقول أنا تركي” هذه الموضة التي انطلقت من تركيا وجابت العالم، لتخلف وراءها دماراً وآلاماً بشرية لا تعد ولا تحصى؟ كيف يمكنها أن تتخلص من موضة الإنكار والمجازر والسجون والاغتيالات السياسية والإعدامات وهي تريد أن تجلس بجانب شعوب متحضرة تؤمن بشريعة حقوق الإنسان؟ والجواب وباعتقادي يمكننا أن نجده من الثقافة العربية الشعبية، في القول المأثور التالي” نتدَّين ويتتزيّن” مع حلول عام 2000مـ وظهور مجتمعات التكنوقراط، عندما ننظر للأمم الأربعة العربية والفارسية والتركية والكردية معاً، نرى نحن بعيدين كل البعد عن مجتمع التكنوقراط.
إن تجربة الحصار الاقتصادي الذي طبق على العراق يمكن أن يطبق على أي أمة أخرى في المنطقة ولا أحد يستطيع منع ذلك،
إذاً كلٍ منا يبحث عن حل، ويريد أن يهرب من واقعه. الأمم الثلاثة العربية والفارسية والتركية مشتركة في استعمار الشعب الكردي والذي تخلف معنا عن التطور الحضاري. كل أمة خلقت ميراثاً ثقيلاً من التخلف الحضاري، ونحن الذين صنعنا هذا الميراث بأيدينا وعقولنا وسياستنا فبدلاً من أن نحاول إزالة هذا الميراث الثقيل بأيدينا وعقولنا، فتركيا تهرب وتنفصل عن الشرق وتلجأ إلى أوروبا طالبتاً منها النجاة. ولكن هل أوروبا مستعدة لأن تأتي لتزيل كل هذا الكم الهائل من التراث الثقيل عن تركيا نتيجة لأيديولوجية “سعيد من يقول أنا تركي”؟
عندما ظهرت حركة استعمارية في أوربا، واندفعت أممها نحو التمدد والتوسع على حساب أوطان وشعوب أخرى، كان ما يبررها التاريخ. لقد اندفعت بفعل عامل التطور الاقتصادي فانتقلت من مجتمع الاقتصاد الطبيعي إلى مجتمع الاقتصاد الصناعي فأنتجوا من البضاعة ما يكفيها ويزيد. فكان لا بد من تصريف هذه البضاعة والحصول على المواد الأولية لصناعتها، وأنتجوا لهذه الحركة الاستعمارية كل أدوات التنفيذ. من البارودة والسيارة والطائرة والمدفع أما نحن العرب والفرس والأتراك أن نكون مستعمرين في الوقت الذي نشتري فيه البارودة والسيارة والطيارة والمدفع. فهذا لا يقبلها المنطق التاريخي. نعم نحن “نتدين لنتزين” إنه لأمر غريب، بل أنه استعمار عجيب!
كانت الأمم الاستعمارية بحاجة إلى الاستعمار. لتصريف بضائعها المصنعة إلى الشعوب المستعمرة. ترى ماذا يمكننا أن نصدر إلى الشعب الكردي؟ إن كبح إرادة الشعب المستعمر وبقاءه مقصراً يحتاج إلى تحريك جيوش وأدوات حرب واقتصاد جبار، أما أن نتدين الأموال ونشتري أدوات الحرب لنتزين بها ونتباهى بين الأمم ونقول لهم بأننا نحن أيضاً شعوب مستعمرة. ثمانون سنة من انهيار الامبراطوية العثمانية وظهور الدول القومية ضاعت وضاع معها أمل شعوبنا في العيش حياة حرة وكريمة وعصرية. وها نحن أمام روح العصر، أمام حكم التاريخ، حكم الحقيقة التي لا ترحم. والسؤال الذي لا بد منه: هل استفادت تركيا من تلك الفرمانات التي أصدرتها منذ تأسيس دولتها القومية؟ وهل استفدنا نحن العرب والفرس أيضاً؟ هل تحول الكردي إلى تركي؟ وهل يردد الكردي اليوم “أنا سعيد لأنني أصبحت تركياً”؟ وأخيراً لا بد من القول: الطريق الصحيح لانتقال المجتمعات العربية والتركية والفارسية إلى مجتمع التكنوقراط هو الآتي: الأمن والسلام أولاً، وقبل كل شيء ولكي يتحقق الأمن والسلام يجب التخلص من الآتي:
- التخلص من سرقة الجمال، والاعتراف بوجود الشعب الكردي هوية ووطناً وشعباً ولغة وبدون تأخير. لقد أصبح الشعب الكردي كبيراً وكبيراً جداً ولا يمكن أن يخفى أبداً.
- أن تغير الهوية من شرقية إلى غربية من تابعية محمد إلى تابعية المسيح لا يحل المشكلة.
- ترك عادة التدخين. إن تدخين أعقاب السجائر لا ينفع. إن حمل اسم الاستعمار قد انتهى.والذين كانوا يحملونه قد تركوه. لأن التاريخ يرفضه ولا أحد يستطيع مقاومة حكم التاريخ.
- إن قاعدة “بنتدين وبنتزين” يلحق بنا الدمار والخراب، يجب الانتقال إلى مجتمع الاقتصاد الصناعي. إن الاستمرار على قاعدة “بنتدين وبنتزين” لم تعد تصلح في عالم اليوم، لقد انتهت مرحلة الدلال، وحان وقت الحكمة والعقل.
انطلق أيها العربي والفارسي والتركي قي البراري والوديان والجبال والسهول وردد كلمة “الكردي” ولا تخف فلن تمطر عليك الحجارة من السماء بل سينزل عليك برداً وسلاماً.
هكذا أثبتها اليزيدي الكردي بالتجربة.
وهكذا أثبتها أبو الياس بالتجربة.
وإلى اللقاء في طريق الحقيقة رقم -4-
حلب في محمد تومة
1/4/2000 أبو الياس
أبو إلياس – طريق الحقيقة رقم 31
طريق الحقيقة رقم 31 موضوع الحلقة: هل امريكا هي القطب الوحيد الغير منازع لمئة سنة قادمة. ول…