‫الرئيسية‬ طريق البحث عن الحقيقة طريق البحث عن الحقيقة رقم 6

طريق البحث عن الحقيقة رقم 6

طريق البحث عن الحقيقة رقم -6-

شعارها: 1- لا أحـــــــد يــمـــلــــك الــحــــقـــيــــقــــة.

2- أنــــا أبــحـــــث عـــــن الـــحـــقـــيـــقــــة.

3-  أنا أملك جزءاً من الحقيقة ومن حقي أن أعبر عنـها.

هدفها: الديمقراطية للعربي والفارسي والتركي والحرية لــلكردي.

1- القضية الكردية ودورها في تخلف شعوب الشرق الأوسط ودورها في تقدمها وانبعاثها من جديد:

    أ- قليل من التاريخ قد ينفع في فهم القضية الكردية في الشرق الأوسط:

بعد الحرب العالمية الأولى انهارت الإمبراطورية العثمانية وتبددت غيومها السوداء حيث كانت الشعوب التي سيطرت عليها تعيش حالة من الجهل والتخلف والفقر والاضطهاد طوا ل أربعة قرون. بعدها بدأت مرحلة تاريخية جديدة لشعوب الشرق الأوسط. فما أن تخلصت من الكابوس العثماني حتى وقعت تحت سيطرة الغرب. في حركة استعمارية مباشرة. لقد كان لهذه الحركة الاستعمارية جانبان: سلبي وإيجابي.

  1. الجانب السلبي: هو فقدان السيادة مرة أخرى.
  2. الجانب الإيجابي: نقلت هذه الحركة الاستعمارية معها ثقافة عصرية جديدة بجانبيها المادي والروحي حيث اطلع الإنسان الشرقي لأول مرة على أشياء مادية عصرية: فبدأ يرى المطبعة والكهرباء والقطار والترامواي وجيوش مسلحة بالبارود بدلاً من السيف والترس.

أما الثقافة الروحية وخاصة السياسية فقد بدأ يسمع عن النظم الجمهورية والانتخابات والرئيس والبرلمان وسلطة تشريعية وتنفيذية وقضائية. وعن الحرية والمساواة والإخاء وعن دول قومية ومدارس وجامعات تدرس فيها العلوم الطبيعية: فيزياء وكيمياء وبولوجيا وهندسة بدلاً من الكتاتيب التي تدرس العلوم الدينية. وبدأ يسمع عن الدساتير والقوانين الوضعية بدلاً من الإلهية…الخ

ولكن بعد الحرب العالمية الثانية انحسرت هذه الحركة الاستعمارية عن الشرق الأوسط نتيجة ظهور توازنات دولية جديدة، وتركت خلفها دولاً قامت هيَّ بتخطيط حدودها دون مراعاة تعدد القوميات ودون مراعاة إرادة شعوبها. فكان من نصيب الفرس والعرب والترك دولاً قومية وحرم الشعب الكردي من هذا الحق…

حق تقرير المصير الذي كان من أهم مبادئ ولسون التي قدمها رئيس الولايات المتحدة الأمريكية والتي اتخذت كأساس ومرجعية لميثاق منظمة الأمم المتحدة التي تشكلت على أنقاض عصبة الأمم.

لقد كان الغرب في عجلة من أمره في ترتيب الشرق الأوسط بعد ظهور الاتحاد السوفيتي كي يتفرغ للدخول معه في صراع سياسي وأيديولوجي. بعد الحرب العالمية الأولى وبعد أن انتهى التوازن الدولي الذي كان يمثله دول المحور.  وجرى صراع  قوي على منطقة الشرق الأوسط بين الكتلتين الغربية الرأسمالية والشرقية الاشتراكية السوفيتية. لكل منها أهداف استراتيجية وتكتيكاتها في التعامل مع شعوب الشرق الأوسط.

2- استراتيجية الكتلة الغربية وتكتيكاتها خلال القرن العشرين:

لقد كان هدف الكتلة الغربية الرأسمالية الاستراتيجي هو القضاء على الشيوعية والحفاظ على الملكية الخاصة والحفاظ على السوق الرأسمالي في العالم. أما تكتيكاتها فكانت كالآتي:

1- عزل الكتلة الاشتراكية عن طريق احاطتها بحزام أمني من الدول القومية والدينية المتعصبة وعدم وصولها إلى المياه الدافئة والتقرب من بترول الشرق الأوسط الذي أصبح العصب الرئيسي للحضارة الغربية الصناعية بأكملها.

3- الهدف الاستراتيجي للكتلة الاشتراكية الشرقية وتكتيكاتها خلال القرن العشرين:

كان الهدف الاستراتيجي للاشتراكية القضاء على الرأسمالية القائمة على الملكية الخاصة وتحويلها إلى ملكية جماعية.

أما تكتيكاتها فكانت كالآتي: إنشاء أحزاب شيوعية بين شعوب الشرق الأوسط تقوم بالدعاية ونشر الأيديولوجية الاشتراكية وخلق حروب أهلية على أساس طبقي للوصول إلى السلطة بدعم ومساندة من الكتلة الاشتراكية، وفي حال عدم تمكن هذه الأحزاب من الوصول إلى السلطة، فإنها تكون قاعدة جاهزة بانتظار وصول الجيش الأحمر في وقت مناسب لإيصال تلك الأحزاب إلى السلطة.

4- القضية الكردية في استراتيجية الكتلة الغربية والشرقية خلال القرن العشرين:

أ- القضية الكردية واستراتيجية الغرب الرأسمالي: لم تدرج القضية الكردية في استراتيجية الغرب الرأسمالي طوال القرن العشرين بكل أيديولوجيتها لا الدينية ولا الدنيوية وتم تجاهل حق تقرير المصير للشعب الكردي خلال مرحلة الصراع السياسي والأيديولوجي بين الكتلتين الغربية والشرقية ولم يسمح الغرب لأي حركة تحرير كردي ولا حتى بحصولها على حقوق ثقافية وقومية. لقد تم سحق كل الحركات الكردية من قبل الحكومات الإقليمية بمساندة الغرب الرأسمالي. لقد أعطت الكتلة الغربية الرأسمالية الأهمية في تكتيكاتها المحافظة على أراضي وسيادة هذه الدول الدينية والقومية المتعصبة التي أنشأتها وأقامت عليها قواعد عسكرية وقواعد تنصت استخبارات ضد الكتلة الشرقية الاشتراكية. لقد استغلت الدول الإقليمية هذا الوضع وقامت بارتكاب مجازر إبادة جماعية كبيرة بحق الشعب الكردي وتم انتهاك حقوقه بشكل مخيف طوال قرن كامل. لقد كان الغرب على علم تام بكل ما يجري وكان يسكت عنها.

وحاول منع وصول أخبار تلك الانتهاكات للرأي العام الغربي والعالم. لقد كان هناك تعتيم إعلامي تام. فقد كانت وسائل الإعلام تنقل أخباراً غير صحيحة على أساس أن الأكراد متوحشون، رجعيون، قتلة، وإرهابيون وإن كل ما يجري هو حملات تأديب لأولئك المتوحشين. لقد كان الغرب مشغول في تحقيق هدفه الاستراتيجي وهو القضاء على الاشتراكية.

بـ- القضية الكردية واستراتيجية الكتلة الاشتراكية: هي الأخرى لم تطرح ضمن هدفها الاستراتيجي القضية الكردية وتجاهلت حق تقرير المصير للشعب الكردي وبناءاً عليه كانت تكتيكات الكتلة الاشتراكية هو إنشاء أحزاب شيوعية عربية وفارسية وتركية واستخدام الأكراد كتيار جماهيري را فد لهذه الأحزاب لمساعدتها في الوصول إلى السلطة عن طريق حرب أهلية أو لانتظار مجيء الجيش الأحمر.

وعندما يتم الوصول إلى السلطة عندها يمكن حل القضية الكردية بإعطائهم حكم ذاتي. لقد ربط مصير الشعب الكردي بالأممية البروليتارية. وتم نشر ثقافة كوسموبولوتيه بين اليسار الكردي بشكل واسع. لقد ا ند فع عشرات الألوف من الشباب الكردي نحو الحركات اليسارية والأحزاب الشيوعية. والغريب في الأمر أن هؤلاء كانوا يحاربون الفكر القومي والوطني للشعب الكردي أكثر من الأحزاب العربية والفارسية والتركية. أي كانوا ملكيين أكثر من الملك.

لقد أدرجت الكتلة الاشتراكية حق تقرير المصير الذي هو العمود الفقري للماركسية اللينينية ضمن استراتيجيتها لكل شعوب الأرض باستثناء الشعب الكردي وفتح جبهات في شرق آسيا – الصين – كوريا – فيتنام وفي القارة الإفريقية وأمريكا الجنوبية وأعطت الأهمية خاصة للقضية الفلسطينية والذين عاشروا تلك الفترة كانوا يسمعون الإذاعات السوفيتية ويقرؤون الجرائد والمجلات. كانت كل شعوب الأرض المضطهدة والمظلومة وحركاتها تحظى باهتمام كبير من التعليقات ونشر الأخبار عن الاضطهادات والمظالم التي كانت تتعرض لها حتى ولو كان مقتل رجل واحد. في الوقت ذاته كانت عشرات بل مئات من القرى الكردية تتعرض للدمار. وكان عشرات الألوف من الأكراد يساقون إلى السجون وأعواد المشانق وحتى مجزرة حلبجة للإبادة الجماعية لم تحظ بالاهتمام والاستنكار من قبل وسائل الإعلام السوفيتية. نستطيع القول بأن القضية الكردية لم تدخل في استراتيجيات التوازن الدولي خلال القرن العشرين، لا في الشرق ولا في الغرب. لقد أطلق الغرب يد الحكومات الإقليمية القومية والدينية المتعصبة التي أنشأها في الشرق الأوسط والتي كانت تحكم الشعب الكردي في الذبح والقتل والسجن وتدمير القرى وحرق المزارع والتهجير قسراً بالاضطهاد السياسي أو التجويع.

5- القضية الكردية ودورها في تخلف شعوب الشرق الأوسط:

لقد جرى صراع سياسي عنيف على السلطة للحكومات التي كانت تحكم الشعب الكردي والتي أنشأها الغرب وحماها خارجياً. فكانت كل سلطة سياسية تقام على أنقاض الأخرى عن طريق الانقلابات العسكرية كان همها الوحيد تأسيس قوة أمنية وتركيز السلطة المركزية بغية الحفاظ على السلطة. لقد خصصت هذه الحكومات نسبة ثمانين بالمائة من الدخل القومي لبناء هذه المؤسسات الأمنية. لقد كانت تلك النظم السياسية التي تغتصب السلطة تحاول المستحيل للحفاظ عليها. ولم يجر ذلك الاغتصاب للسلطة دون سفك دماء وسجن الألوف من المعارضين. لقد كان الخطر الوحيد لهذه النظم السياسية يأتي من الداخل. وتم تركيز السلطة بيد واحدة فكان من الطبيعي أن لا يكون هناك مجال للتكلم عن الديمقراطية ولا عن المشاركة السياسية للجماهير. كما لم يكن هناك مجال لطرح برامج تنموية ولا برامج تعليمية علمية استراتيجية ولا بناء مراكز أبحاث علمية لتكون مراكز إبداعية. وبالنتيجة تحولت هذه النظم السياسية بأكملها والمتعاقبة إلى نظم فاسدة بكامل مؤسساتها الإدارية والتنفيذية والتشريعية والقضائية.

وبعد ظهور المجتمع الصناعي في الغرب بدأت مجتمعات الشرق الأوسط باستيراد تكنيكه المُصنع للأسواق المحلية. خلق بذلك سوقاً مثيراً ومغرياً للغاية. والممارسة السياسية لهذه النظم أظهرت طبقة طفيلية ثرية للغاية “أثرياء السياسة” فظهرت القصور الفخمة المجهزة بأحدث التقنيات المستوردة وأودعت رساميل ضخمة في بنوك الغرب الرأسمالي احتياطاً عند فقدان السلطة.

لقد نشأ عن هذا الوضع تخلفاً اجتماعياً لم يطرأ عليه أي تطور وفق منطق العصر. وزالت الطبقة المتوسطة وظهرت طبقتين: إحداهما فوق الصفر بمائة درجة والثانية تحت الصفر بمائة درجة. وتوزعت النسب واحتلت الطبقة الأولى عشرون بالمائة والثانية ثمانون بالمائة. إن الطبقة الثانية فقدت الأمل في العيش حياة إنسانية كريمة وتحولت نسبة ثمانين بالمائة من هذه الشعوب العربية والفارسية والتركية والكردية إلى شعوب مهاجرة أو إلى إرهابيين. ولم يبق في الساحة الاجتماعية لهذه الشعوب سوى عشرون بالمائة من أثرياء السياسة وبقايا من الطبقة الثانية لتتغذى على الفئات التي تجود بها الطبقة الأولى.

لقد لعبت الفزاعة الكردية دوراً كبيراً في خلق هذه الحالة. لقد كانت تهمة الانفصال وتقسيم الوطن والأمن السياسي ذو قيمة كبيرة بالنسبة لكل الجهاز الأمني والإداري والقضائي لأنها تدر عليهم ربحاً سريعاً وكبيراً. وكانت المرجعية التي تستند عليها هذه المؤسسات هي خلو دساتير هذه النظم السياسية التي تحكم الشعب الكردي من ذكر كلمة الكردي. فكل كردي في هذه الحالة يعني انفصالي وخطر على الأمن السياسي فلا بد أن يكون بقرة حلوب لكل من هب ودب. وبمجرد أن يقول أنا كردي أو تكلم باللغة الكردية علناً أو كتب باللغة الكردية ناهيك عن انتسابه للحزب الكردي فهو انفصالي وخطر على أمن الدولة والويل لمن يساق إلى مراكز الأمن أو يحال إلى القضاء ولكي يبقى الكردي حياً يرزق فما عليه إلا أن يبيع ما فوقه وما تحته ثمناً للخلاص من الموت. وهكذا ســــــــارت الأمور طوا ل قرن كامل. ولكن الشعب الكردي وبالرغم من كل هذه المآسي لم يمت ولا يزال حيّاً يرزق وعلى الرغم من كل السياسات التعريبية والتفريسية والتتريكية والإبادة الجماعية. فإذا كان الشعب الكردي لم يمت طوال قرن كامل بالرغم من كل هذه السياسات ومحاولة تغيير هويته القومية والوطنية ومحو ثقافته. ترى هل ستظل هذه النظم تستخدم الشعب الكردي كفزاعة لزرع الفساد فيها وتكون سبباً في قتل ضمير وروح الإنسان العربي والفارسي والتركي واستمرار معاناة ثمانون بالمائة من هذه الشعوب التي تعيش تحت خط الصفر إلى الأبد؟ ألا يوجد هناك أمل في الخلاص لهذه الشعوب؟.

ونحن نقول بناءاً على قراءتنا للتاريخ بدقة: نعم.. هناك طريق للخلاص والأمل في العيش بحياة كريمة والحل يكمن في القضية الكردية بالذات. ولا يوجد حل لا في الشمال ولا في الجنوب ولا في الشرق ولا في الغرب من الكرة الأرضية. وذلك هو الجانب الإيجابي في القضية الكردية.

6- القضية الكردية ودورها في تقدم شعوب الشرق الأوسط العربية والفارسية والتركية:

إن موقف النظم السياسية التي تحكم الشعب الكردي من القضية الكردية وتنكرها له واضطهاده يشبه ذلك الإنسان الذي يقف على غصن شجرة عالية يمسك بالمنشار ويقص الغصن من تحته. إن هذا الإنسان سوف يسقط وتتكسر ضلوعه ويتهشم رأسه. والغريب في هذا المشهد كلما مر به شخص عاقل وقال له: لا تفعل هذا شتمه واستمر في نشر الغصن. وقد يقول قائل: إن هذا الإنسان العاقل الناصح لله بالله غير موجود لأننا نعيش في زمان اختفى فيه العقلاء. وأنا أقول: إنه موجود والدنيا لم تخلُ من الخيريين والعاقلين والدليل على ذلك: يمكن لأي باحث عن الحقيقة أن يرجع قليلاً إلى الوراء ويطلع على مسلسل طريق الحقيقة التي يصدرها صديق الشعب الكردي والمدافع عن حقه في الحياة مع الشعوب الثلاثة وهو “أبو إالياس”.

كم كنا نتمنى للساسة في العراق أو من سيتبعهم أن يسمعوا صوت النداء الصادق الذي كان يرسله وينشره للدنيا الرفيق أبو إالياس حتى قبل أن تقع الكارثة على الشعب العراقي بأكمله وتتحول ساحة وطنه إلى ساحة تصفية الحسابات الداخلية والخارجية. لقد تنبأ الرفيق أبو إلياس بحدوث طوفان نوح جديد على المنطقة. ولكي لا يغرق الكل نادى بظهور ديغول عربي وفارسي وتركي كي يبني سفينة نجاة وفق منطق العصر تنقذ هذه الشعوب من الغرق. ولكن يبدو أن النظم السياسية والثقافية في منطقتنا ما زالت مصرة على نشر الغصن حتى النهاية.

وطــريــق الــبــحــث عـن الحـقـيـقـة بــدوره يــحــاول كــشــف الـحــقـيـقـة عـلـنـا نســـــتـطـيـع أن نـنـقذ أنفســـــــنا من الطوفان.

علنا نستطيع بمحاولتنا المتواضعة من كشف الحقيقة لتكون بوصلة في خلاصنا من الغرق.

لقد كانت القضية الكردية خلال القرن العشرين سلاحاً ذو حدين: الحد السلبي المدمر والحد الإيجابي البنَّاء.

وقد تكلمنا عن الحد السلبي المدمر باختصار شديد خلال القرن العشرين.

بقي علينا أن نتكلم باختصار عن الحد الإيجابي البنَّاء.

ها هي الشعوب الأربعة في منطقة الشرق الأوسط تدخل في القرن الحادي والعشرين وهي تحمل ميراثاً سلبياً مدمراً.

شعوب دبَّ في نظمها ومؤسساتها الإدراية والأمنية والسياسية مرض الفساد. وانفصلت الشعوب عن قياداتها السياسية وتمزقت الوحدة الوطنية والعائلية وضعفت العلاقات الاجتماعية والإنسانية وانهارت كل المثل العليا وتحولنا إلى مجتمع شريعة الغاب: إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب. وباتت القوى الخارجية تهدد كل المنطقة جغرافياً وبشرياً واقتصادياً وثقافياً. ترى هل يمكن لشعوبنا الخلاص من هذا الميراث؟…

هناك ميزانين لخلاص الشعوب الأربعة:

1- التكنيك    2- القضية الكردية.

إن كل ممارسة سياسية أو ثقافية أو اقتصادية أو رسم أهداف استراتيجية وممارسة التكتيك في الشرق الأوسط، إذا لم تقاس بهذين الميزانين فستكون النتيجة كارثة على الكل ولا يسلم منها أحد.

7- الميزان الأول التكنيك وأهميته في حياة الإنسان المعاصر:

إن ميزان القوة والتقدم للشعوب مع بداية القرن الحادي والعشرين قد تغير.

إن شعباً قوياً ومتقدماً يصنع التكنيك ويمتلكه ويجدده باستمرار.

لم تعد قوة الشعوب تقاس بمساحة الأرض ولا بعدد السكان ولا بعدد الأحزاب ولا بتعداد جيوشها بل أصبحت قوة الشعوب تقاس بما تمتلكه من عقول مبدعة تصنع التكنيك وتجدده باستمرار.

إن قوة الشعوب تقاس بعدد الجامعات والأكاديميات التي تخرج جيل المعرفة.

تقاس قوة الشعوب بعدد مراكز البحث العلمي. والأهم من هذا كله هو إيجاد أرض يسودها الأمن والسلام الاجتماعي والتي بدونها لا يمكن أن يكون هناك مؤسسات وعقول مبدعة.

إن النظم السياسية الشمولية المطلقة مصابة بمرض الفساد لا يمكن لها أن تحقق ذلك المناخ. لقد برهن التاريخ البشري أن من بين كل النظم السياسية ظهرت. والوحيد الذي يمكنه أن يحقق ذلك المناخ هو النظام الديمقراطي. ولا يمكن أن تكون هناك ديمقراطية في الشرق الأوسط ودولة مؤسسات وقانون. ولا يمكن أن تظهر دساتير وفق ميثاق حقوق الإنسان تعطي كل إنسان حقه سواء كان حقاً سياسياً أو قومياًً أو دينياً.

ولا يمكن أن تكون هناك ديمقراطية ما لم تكن هناك ثقافة وسلوك ديمقراطي في الممارسة والديمقراطية هيَّ أمُ الحرية والحرية هي أمُ الإبداع والإبداع هو أم التكنيك. ولكن.. لماذا هذه الأهمية للتكنيك ؟. إن التكنيك وإنسان العصر توأمان لا ينفصلان. لم يعد بامكان الإنسان العصري أن يعيش بدون التكنيك فهو بحاجة إلى جرار ليفلح أرضه وإلى حصادة ليحصد وإلى آلة لنسج لباسه وإلى آليات رافعة لبناء مسكنه . وإلى سيارة في مواصلاته ونقل محصوله وإلى براد لحفظ طعامه وإلى تلفزيون وكمبيوتر وتلفون خلوي وراديو وأساس منزلي عصري…الخ كل هذه المتطلبات التكنيكية العصرية بحاجة إلى مال.

إن الشعوب العربية والفارسية والتركية والكردية تزداد سنة بعد سنة وستكبر المشكلة يوم بعد يوم أمام النظم السياسية لتأمين كل هذا التكنيك. إن هذا التكنيك لا يصنع في مكاتب الوزراء ولا الرؤساء ولا في دوائر البوليس ولا في السجون ولا في مكاتب الأحزاب. بل يخطط لهُ في مراكز الأبحاث العلمية. ويصنع في المعامل هذه المراكز والمعامل تحتاج إلى عقول مبدعة تخصصية ولا تحتاج إلى سياسيين وخطباء وواعظين.

إن دفع الأموال الهائلة لجلب هذا التكنيك من الخارج عن طريق الاستيراد يمتص أموالاً هائلة من الدخل القومي وتبقى هذه الدول تابعة لمصدر التكنيك. إن أي حصار اقتصادي لهذه الشعوب يعني الموت وهذا ما حصل للعراق.

هناك جانب آخر للتكنيك وهو العامل النفسي فنسبة ثمانون بالمائة من هذه الشعوب لا تستطيع امتلاك هذا التكنيك المستورد ونسبة عشرون بالمائة أثرياء السياسة يستطيعون أن يملكوه. في هذه الحالة يولد صراع نفسي مدمر. فالإنسان الذي يرى جاره أو رئيسه يتمتع بكل هذا التكنيك الحديث وهو يحلم طوال حياته بامتلاكها يخلق لديه سيكولوجية مدمرة. والأحداث العراقية خير دليل على ما نقوله.

فلدى تعرض الوطن لحرب داخلية أو خارجية تخلق حالة من الفوضى وفقدان الأمن عندها تبدأ حالة الدمار والخراب والنهب والسلب وتدمير كل البناء التحتي للوطن دون وعي أو شفقة. كل هذا نتيجة للتراكم النفسي المدمر.

ولكن كيف يمكن للشعوب الأربعة في الشرق الأوسط الوصول إلى إبداع التكنيك وخلق المناخ الديمقراطي للإبداع؟ تلك هي مهمة الميزان الثاني.

8- الميزان الثاني – القضية الكردية:

فإذا كان الشعب العربي الفارسي والتركي يريد أن يعيش مع روح العصر بامتلاكه التكنيك فما عليه إلا أن يزرع شجرة الديمقراطية. وهنا يلعب الشعب الكردي دوراً مهماً وتاريخياً في إنقاذ وتطهير الروح العربية والفارسية والتركية من ميراث الثقافة الشمولية المطلقة. لا يمكن للعربي والفارسي والتركي أن يكون ديمقراطياً وممارساً لها ما لم يعترف بحق الشعب الكردي وبحقوقه القومية كاملة. كما لا يمكن للعربي والفارسي والتركي أن يعيش مع روح العصر بدون أن يوازن نفسه بميزان القضية الكردية. سواء كان دينياً أو علمانياً.

إن انفصال الشعوب عن بعضها البعض لم يعد يقبله التاريخ. إن حركة الشعوب تتجه نحو الفيدراليات. وتبدأ عملية التفاعل الثقافي. إن مفهوم سيد وعبد أو مواطن درجة أولى ودرجة ثانية قد انتهى ولا يقبله تاريخ القرن الحادي والعشرين.

إن العربي والفارسي والتركي إذا لم يكن ديمقراطياً مع الكردي، لا يمكن أن يكون ديمقراطياً مع نفسه. وهذا ما برهنه الصراع السياسي والأيديولوجي على السلطة خلال القرن العشرين وترك مصير هذه الشعوب في الشرق الأوسط في مهب الريح. وبدأت المخاطر الداخلية والخارجية تهدد المنطقة بأكملها. . إن أي اصطدام سواء كان داخلياً أو خارجياً يعني حلول الكارثة. والتجربة اليوغسلافية والأفغانية والعراقية والسودانية خير دليل وشاهد على ما نقوله. ترى هل نتعظ من التاريخ؟…

9- رسالة الشعب الكردي التاريخية في الشرق الأوسط:

لقد ألقى التاريخ رسالة تاريخية هامة ونبيلة على عاتق الشعب الكردي. وهذه الرسالة هي تحقيق الديمقراطية للشعوب الأربعة والسير نحو التكتلات الاقتصادية بعد تحقيق الأمن والسلام الاجتماعي بين هذه الشعوب.

إن منطقة الشرق الأوسط بجغرافيتها وشعوبها الأربعة فيها كل المقومات لانطلاقة حضارية لتقدم الرخاء لشعوبها وإبداعاتها للإنسانية بدلاً من تصدير الهجرة والإرهاب والتعصب والحروب المدمرة.

ترى هل يعي الشعب الكردي بكافة مقوماته الاجتماعية واتجاهاته الثقافية والحزبية هذا الدور وهذه الرسالة؟…

ترى هل يعي المثقفون الثوريون العرب والفرس والترك أهمية ودور الشعب الكردي في تأدية هذه الرسالة؟…

لا ديمقراطية للعربي والفارسي والتركي بدون حرية الكردي…

ولا حرية للكردي بدون ديمقراطية العربي والفارسي والتركي…

إن الشعوب الأربعة دخلت في مرحلة الأزمة ولا بد من تغيير جذري. وإن الركض وراء الحلول الأمنية أو الترقيع الاقتصادي أو التحالف التكتيكي هنا وهناك لا يجدي نفعاً بل يزيد من معاناة هذه الشعوب وآلامها والتقرب نحو الكارثة.

ربما لا نقول الحقيقة كاملة.

نأمل من الآخرين أن يبدوا وجهة نظرهم في كشف الحقيقة لتلعب دور البوصلة ونتبعها للوصول إلى شاطئ الأمان.

ولتسود حياة إنسانية كريمة بيننا. لكل إنسان مأكل وملبس ومسكن وحاجيات عصرية ولكل إنسان حقه في التعبير والمشاركة الحقيقية في تقرير مصيره… ودمتم.

حلب في

24/1/2004    سيامند عفريني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

أبو إلياس – طريق الحقيقة رقم 31

طريق الحقيقة رقم 31 موضوع الحلقة: هل امريكا هي القطب الوحيد الغير منازع لمئة سنة قادمة. ول…