أبو إلياس – طريق الحقيقة رقم 11
طريق الحقيقة رقم -11-
شعارها: 1- لا أحد يملك الحقيقة.
2- أنا أبحث عن الحقيقة.
3- أنا أملك جزءاً من الحقيقة ومن حقي أن أعبر عنها.
هدفها: الديمقراطية للعربي والفارسي والتركي. والحرية للكردي.
———————————————–
الشرق الأوسط والشعوب الأربعة العربية والفارسية والتركية والكردية مع بداية القرن الحادي والعشرين أمام خيارات ثلاثة إما امتلاكها أو فقدانها.
- حرية الإرادة الوطنية.
- حرية المواطن.
- حرية الإرادة الوطنية وحرية المواطن معاً.
قبل السير في طريق الحقيقة. لا بد من قراءة التاريخ أولاً.
1- قراءة التاريخ:
تداخلت استراتيجيات وتكتيكات القرن العشرين الذي مضى مع استراتيجيات وتكتيكات القرن الحادي والعشرين. والمنطق التاريخي يفرض علينا أن ننطلق مع التاريخ من الحاضر نحو المستقبل.
فإذا لم نفهم الماضي الذي مضى والحاضر الذي حل ولم نرسم أهدافنا الاستراتيجية ونمارس تكتيكاتنا بناءاً على هذا الفهم، سنخسر حرية الإرادة الوطنية. وحرية المواطن معاً في المستقبل.
إن قراءة التاريخ تعرفنا على ما مضى ويجب أن ينتهي. وما يجب أن يعيش. ولنبدأ بطرح السؤال الآتي:
ترى لماذا ظهرت أمريكا وبريطانيا وحلفاءها في الشرق الأوسط بكل عنفوانها الحضاري والتكنولوجي الحربي مع بداية القرن الحادي والعشرين؟
وللإجابة على هذا السؤال. هناك جدل كبير بين المثقفين والمحللين السياسيين والمفكرين والباحثين عن الحقيقة على شاشات التلفزة وصفحات الجرائد والمجلات وتلك هي المصيبة، الكل يتمسكون بالحجة التالية:
إن أمريكا وبريطانيا ظهرتا في الشرق الأوسط بحجة القضاء على أسلحة الدمار الشامل التي هي بحوزة النظام العراقي. ولكنه لم يتمكنوا من كشف أية أسلحة للتدمير الشامل في طول العراق وعرضها. ومع أنهم قبضوا على جميع رموز السلطة السياسية في العراق. وهذا يعني أنهم كذبوا على شعوبهم وعلى الدنيا كلها. وخالفوا كل المؤسسات والقوانين الدولية. ولذلك هم في ورطة.
كل المحللين والمفكرين والمثقفين الذين نشاهدهم على شاشات التلفزة ونسمع آراءهم يجمعون على هذه القراءة.
ترى هل ما نشاهده ونسمعه يعبر عن الحقيقة؟
وطريق الحقيقة تملك جزءاً من الحقيقة. ومن حقها أن تعبر عنها. وتعبر عن رأيها على الشكل التالي. إن كل تلك النقاشات والاستنتاجات لا تعبر عن الحقيقة. إنه خداع وتضليل. وإذا مارسنا استراتيجيتنا وتكتيكاتنا على هذا التحليل والخداع والتضليل سوف تحل بنا الكارثة وسنفقد الإرادة الوطنية وحرية المواطن معاً. إن التحريض على الأعمال الإرهابية لا يغير من مسار التاريخ ولا يوقفه.
ولكن لماذا توصلت طريق الحقيقة لهذا الاستنتاج؟
والجواب من قراءة التاريخ. وليس من أي كتاب آخر.
ولنحاول قراءة التاريخ.
2- أمريكا وبريطانيا وحلفاؤها والقرن العشرين:
إن أمريكا وبريطانيا ومن تحالف معهم، لم يكذبوا أبداً مع حلول القرن الحادي والعشرين وهم صادقون في إزالة سلاح التدمير الشامل من الشرق الأوسط والدنيا لاحقاً ولنوضح كلامنا هذا.
لو قال هؤلاء المثقفون والمحللون السياسيون الذين نشاهدهم ونسمع آراءهم بأن أمريكا وبريطانيا كذبوا خلال القرن العشرين بكامله لصدقناهم على الفور. وقلنا بأنهم يعبرون عن الحقيقة مائة بالمائة. وبالفعل فإن كل الممارسة السياسية الخارجية للحكومات
الأمريكية والبريطانية والغربية بصورة عامة خلال القرن العشرين كانت مبنية على الكذب والخداع والتضليل. لقد كانت سياساتهم مبينة على دعم ومساندة النظم الشمولية المطلقة (( نظم التدمير الشامل )) في العالم الثالث وضد أماني شعوب العالم الثالث في التحرر والتقدم والازدهار.
وبنفس الوقت كانت ضد نظم التدمير الشامل للمعسكر الاشتراكي. وكانوا مع شعوبها ومساعدتها للخلاص من هذه النظم.
ومع انتصار الغرب على الكتلة الاشتراكية وخلاص شعوبها من أنظمة التدمير الشامل تشكل وضع تاريخي جديد. ولقد كانت حادثة 11 أيلول في واشنطن ونيويورك الحد الفاصل بين تاريخ القرن العشرين والقرن الحادي والعشرين.
لقد انقلب خطر نظم التدمير السياسي والثقافي الشامل سواء أكانت دينية أو دنيوية وبالاً على البشرية بأكملها. بعد أن كانت وبالاً على شعوبها.
إن كل محلل سياسي ومثقف ومفكر يدرك أن تلك النظم السياسية للتدمير الشامل في العالم الثالث كانت من صنع أمريكا وبريطانيا وبرعايتهم سياسياً ودبلوماسياً وعسكرياً ومالياً. استخدمتهم أمريكا وبريطانيا بمهارة فائقة ضد شعوبهم وضد الكتلة الاشتراكية ذات النظام السياسي للتدمير الشامل. ومع انهيار الكتلة الاشتراكية انتهى قرن العسل بين أمريكا وبريطانيا والغرب بصورة عامة. وبين هذه النظم ذات التدمير الشامل التي كانت وبالاً على شعوبها. وبعد حادثة 11 أيلول تحول خطر هذه النظم السياسية للتدمير الشامل بكل مقوماتها السياسية والثقافية إلى خطر ليس على شعوبها وحقوق الإنسان فقط بل على الأمن والسلام العالمي بأكمله.
لقد كانت أمريكا وبريطانيا تكذبان على شعوبها والعالم طوال القرن العشرين وإليكم الدليل وهو من ذاكرة التاريخ.
- لقد كان بطل حادثة 11أيلول أسامة بن لادن وأمريكا وحلفاؤها في العالم الإسلامي والعربي هم صانعوا هذا البطل. لقد كذبوا على شعوبهم، بأنهم بدعمهم هذا البطل. إنما يحاربون الشيوعية الملحدة ويهدفون للحفاظ على العالم الحر المهدد من قبل الكتلة الاشتراكية ذات النظام التدميري الشامل.
- لقد كان بطل الحرب العراقية الإيرانية وغزو الكويت: صدام حسين. أمريكا وبريطانيا هم صانعوا هذا البطل.
- لقد حرض جورج بوش الأب الشعب العراقي بعربه وأكراده على التمرد والثورة على هذا البطل أثناء حرب تحرير الكويت. فثار الشعب العراقي بعربه وأكراده. ووصل الجيش الأمريكي. وأصبح على مسافة بضع كيلومترات من العاصمة العراقية. وتوقفوا في منتصف الطريق وأعطوا الضوء الأخضر للقيادة السياسية العراقية للبطش بالشعب العراقي. وحلت الكارثة على الشعب العراقي بعربه وأكراده ودفن مليون إنسان تحت الأرض في مقابر جماعية لم يشهد لها التاريخ مثيلاً. كل ذلك حدث نتيجة كذب بوش الأب على الشعب العراقي الذي كان يحلم في الخلاص من هذا الكابوس الجاثم على صدره منذ عقود عديدة.
ومع نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين انقلبت الآية تماماً. انتهت اللعبة مع التاريخ. لقد انقلبت أمريكا وبريطانيا من حلفاء لنظم التدمير الشامل إلى حلفاء للشعوب المقهورة المنتهكة حقوقهم الإنسانية.
ترى لماذا حدث هذا الانقلاب وما هي الأدلة؟
3- القرن الحادي والعشرين والدلائل على صدق أمريكا وبريطانيا:
- لقد كان يسيطر على يوغسلافية نظام سياسي للتدمير الشامل. لقد سحق هذا النظام أرواح ملايين من البشر. لأبناء الشعوب التي كانت تضمها هذه الإمبراطورية. وتم تدمير مدن كثيرة عامرة. وتشريد الملايين من أبناء هذه الشعوب. فجاءت أمريكا وبريطانيا وخلصت تلك الشعوب من هذه المذبحة الرهيبة. لقد قالت أمريكا وبريطانيا وصدقت في قولها وفعلت. فلو لم تأت لفنيت هذه الشعوب بهذا النظام للتدمير الشامل.
- لقد نشبت حرب أهلية في أفغانستان دامت عشرات السنين بنظام تدمير شامل زهق أرواح مئات الألوف من البشر وتم تدمير هائل ولم يستطع أحد أن يطفأ لهيب هذه الحرب. فأتت أمريكا وبريطانيا وحلفاؤها وأطفأت هذا الحريق. لقد قالت أمريكا وبريطانيا وصدقت وفعلت.
- لقد ساد نظام التدمير الشامل العراق مدة خمس وثلاثون عاماً وهاهي نتائجها وآثارها تنشرها وسائل الإعلام على الملأ. لقد كانت حياة الشعب العراقي بكل أطيافه وألوانه وقومياته في خطر الزوال من التاريخ البشري.
قالت أمريكا وبريطانية وحلفاؤها وصدقت وفعلت وخلصت الشعب العراقي من هذا النظام للتدمير الشامل.
- منذ خمسين عاماً وأكثر خلال القرن العشرين لم يذكر أي رئيس أمريكي أو بريطاني اسم دولة فلسطين وهاهو جورج بوش الابن يعلن للعالم ويتعهد بإقامة دولة فلسطين. وأعتقد أنه صادق في قوله.
- نظام التدمير الشامل يسيطر على تركيا كان نظاماً مدللاً لدى أمريكا وبريطانيا وكانوا يمدونه بكل مقومات الحياة طوال قرن كامل. وها هم يتركون هذا النظام وراءهم ليجابه مصيره المحتوم. ولقد حدد هذا النظام للتدمير الشامل أثناء الحرب العراقية الخطوط الحمراء والصفراء. فتم تجاوز هذه الخطوط ولم تستطع تركيا أن تفعل شيء.
- إن نظام التدمير الشامل الذي يحكم إيران وسعيها وراء امتلاك أسلحة التدمير الشامل لم يعد ينفعها في شيء ولم يعد يعطيها الأمان. لقد حفر هذا النظام قبره بيده بالانتخابات التي جرت في شهر شباط عام 2004مـ .
- لقد بدأت أمريكا وبريطانيا يطرحون شعار تنظيم شرق أوسط جديد علماً بأنهم هم الذين نظموا الشرق الأوسط في معاهدة سايكس بيكو بعد الحرب العالمية الأولى. رغماً عن إرادة شعوب المنطقة وخلطوا يومها الحابل بالنابل وبالرغم من كل المحاولات الدموية من قبل شعوب المنطقة لتصحيح الوضع لم يستطيعوا ذلك لأن أمريكا وبريطانيا قالت لا للتغيير خلال القرن العشرين.
وهاهم اليوم يطرحون شعار التغيير والتنظيم وفق المتغيرات للقرن الحادي والعشرين. وأعتقد أنهم صادقون في ذلك.
نكتفي بهذا القدر من قراءة التاريخ تاركاً للقارئ أن يضيف ما تسعفه ذاكرته التاريخية إلى ذلك أو يرفض أو ينقص مما أوردناه إذ كان لا يرى فيها الحقيقة.
4- ولنبدأ بقراءة تاريخ الحاضر بصورة مختصرة:
بعد الحرب العراقية كثر العويل والصراخ في الشرق الأوسط. وانقسم الناس في عويلهم وصراخهم إلى قسمين.
- القسم الأول يمثل نظم التدمير الشامل السياسي والثقافي.
- القسم الثاني يمثل شعوب المنطقة والذين خضعوا لهذه النظم منذ زمن طويل.
يقول لنا أنصار القسم الأول. أنصار نظم التدمير السياسي والثقافي الشامل من المحللين السياسيين والمفكرين. جاءت أمريكا وبريطانيا إلى الشرق أوسط بحجة وجود أسلحة التدمير الشامل واحتلوا العراق ولم تظهر هذه الأسلحة والسؤال:
هل فعلاً جاءت أمريكا وبريطانيا وحلفاؤها إلى الشرق الأوسط من أجل أسلحة التدمير الشامل أم من أجل نظم التدمير الشامل؟
ولا بد من طرح سؤال آخر: ما الفرق بين أسلحة التدمير الشامل. ونظم التدمير الشامل. وأيهما أخطر على الأمن والسلام العالمي وعلى الإنسان والحضارة الإنسانية بأكملها؟
كل إنسان يدرك أن سلاح التدمير الشامل ليس له روح وليس له أرجل ويدين ولا يستطيع أن يتحرك من تلقاء ذاته إذا لم يحركه إنسان.
فإذا ترك في مكان ما لمئة سنة لا خطر منه. إن تحريك هذه الأسلحة واستخدامها يتم بوساطة نوعين من البشر:
- النوع الخاضع فيه لنظام ديمقراطي ولثقافة ديمقراطية ودولة القانون والمجتمع المدني.
- والنوع الخاضع لنظم التدمير الشامل وثقافته ودولة متحررة من أي قيود قانونية ومؤسساتية.
إن استخدام هذه الأسلحة المدمرة في النظم الديمقراطية ودولة القانون تحتاج إلى قرار جماعي وخاضع لقراءة دقيقة استراتيجية بعيدة، وخاضعة لظروف الزمان والمكان.
أما في ظل النظم السياسية والثقافية ذات التدمير الشامل فيمكن استخدامها في أي وقت وفي أي زمان لأن كل ذلك خاضع لمزاج القائد الفرد وأهوائه وأحلامه وقراءته للتاريخ. ومن هنا تأتي الخطورة.
إذاً لا خوف من هذه الأسلحة في النظم الديمقراطية ودولة القانون والخوف من هذه الأسلحة تأتي من نظم التدمير الشامل.
ومن هنا برزت أهمية الخوف من هذه الأسلحة على مستقبل الأمن والسلام العالمي. ومن هنا تكمن مصداقية أمريكا وبريطانيا.
إن أمريكا وبريطانيا لا تبحث عن أسلحة الدمار الشامل لتقضي عليها، أو إزالتها. بل اتخذوا قرارهم بإزالة نظم التدمير الشامل بعامليها السياسي والثقافي.
هذه النظم السياسية هم أنشؤوها ورعوها ومدوها بالحياة طوال قرن كامل سواء أكانت دينية أم دنيوية. وانقلب السحر على الساحر. وما حادثة 11 أيلول في نيويورك وواشنطن كانت بمثابة طلقة الرحمة على هذه النظم وعلى ما زرعت أيديهم.
أمريكا التي تريد تزعم العالم ومعها بريطانيا وحلفاؤها أخذوا درساً قيماً من هذه الحادثة. وأدركوا أخيراً أن التلاعب مع التاريخ أمر خطير للغاية وأن قوانين التاريخ لا تخضع لإرادة أحد.
لقد بدؤوا يسألون أنفسهم السؤال التالي: إذا كانت حادثة 11 أيلول أودت بحياة خمسة آلاف من البشر الأبرياء خلال دقائق معدودات. ماذا لو كانت هذه الطائرات محملة بأسلحة التدمير الشامل؟
وماذا لو بقيت هذه النظم للتدمير الشامل وثقافتها؟ وماذا لو حصلت على أسلحة التدمير الشامل وتم تهريبها بطريقة ما واستخدمت في مكان ما؟
وجواباً لهذه الأسئلة توصلوا إلى تغيير كلي في تغيير استراتيجيتهم للسياسة الخارجية بأكملها. لقد أدركوا أن لا خطر عليهم وعلى البشرية من النظم الديمقراطية وثقافتها ودولة القانون والمجتمع المدني حتى ولو ملكت أسلحة التدمير الشامل. وهكذا تبنوا سياسة الخطر المحتمل. والهجوم. بدلاً من سياسة الخطر الداهم والانتظار والاحتواء.
والحقيقة نستطيع أن نقول أن جميع عمليات الإرهاب تصدر من النظم السياسية والثقافية للتدمير الشامل وذلك للأسباب التالية:
5- نظم التدمير الشامل السياسي والثقافي والإرهاب:
لماذا تنتج نظم التدمير الشامل والثقافي الشامل الإرهاب؟
تنقسم نظم التدمير السياسي إلى مصطلحين:
- السياسي.
- الثـقـافـي.
إن المصطلح الثاني في هذا النظام هو الأخطر. وهو أخطر من كل الأسلحة الكيماوية والبيولوجية والنووية لأنه هو الذي يبني الإنسان السياسي.
فإذا سادت مناهج ثقافية ديمقراطية. ينتج عن ذلك إنسان سياسي ديمقراطي. أما إذا سادت مناهج ثقافية شمولية مطلقة ينتج عن ذلك إنسان سياسي متسلط ديكتاتوري وإرهابي يتصرف مع الآخرين بإرادة أمره ويعتقد أنه يملك الحقيقة كاملة وما على الآخرين إلا أن يقبلوها وإلا سيكون السيف فوق رقابهم سواء أكانت أيديولوجية دينية أو قومية أو طبقية. كل المخالفين لحقيقته المطلقة إما كفار أو ملحدين أو تاركين لدين الله. أو خونة وعملاء للإمبريالية والصهيونية ورجعيون وانفصاليون. وهكذا عاشت شعوب الشرق الأوسط وجميع شعوب العالم الثالث طوال القرن العشرين في ظل الأنظمة السياسية والثقافية للتدمير الشامل. وهي تحلم بحياة إنسانية كريمة وطال الليل لقرن كامل.
أما الشعوب التي عاشت في ظل النظم الديمقراطية وثقافتها، تطورت وأبدعت وتحسنت متطلباتها الحيوية من المأكل والملبس والمسكن. والحاجيات العصرية ومارست حريتها. لقد دمر كل المقومات الحياتية الإنسانية للشعوب. ذات نظم التدمير السياسي والثقافي الشامل. السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية والثقافية. لقد دب الفساد في كل مؤسسات هذه الدول. وتحول هذا الفساد إلى مرض عضال أصاب كل هذه الشعوب. ولم يعد هناك أمل في الشفاء وساد شعور الإحباط واليأس وبدأ إنسان هذه النظم يقتل نفسه ويقتل معه الآخرين لأنه يشعر بأنه ميت ويتحول كل إنسان في هذه الشعوب إلى إرهابي وليس أمامه أي طريق آخر. إن هذه الشعوب تدرك أن سبب ظهور هذه الأنظمة ذات التدمير الشامل هي الغرب بصورة عامة وأمريكا بصورة خاصة كونها قد طرحت نفسها كزعيمة للعالم وكارثة 11 أيلول إلا نتيجة لهذا الشعور بالإحباط واليأس.
إن أمريكا والغرب بصورة عامة تدرك أنه لا يمكن أن تقضى على ظاهرة الإرهاب ما لم يقض على السبب. وأدركت أخيراً أن تلك النظم السياسية والثقافية للتدمير الشامل التي ربت الأجيال هي السبب وراء ظاهرة الإرهاب وليست أسلحة التدمير الشامل. لا البيولوجي ولا الكيماوي ولا النووي.
فإذا لم يقض على السبب لا يمكن القضاء على النتيجة. ومن أجل ذلك تغيرت كل استراتيجية الغرب بصورة عامة وأمريكا وبريطانيا بصورة خاصة فكانت سياسة الخطر المحتمل والهجوم.
إن الغرب بصورة عامة وأمريكا وبريطانيا بصورة خاصة غير مختلفين على هذه السياسة مطلقاً ولكن هناك اختلاف على المصالح وعلى الغنيمة.
قسـمتهم المصالح في تنفيذ هذه السياسة إلى قسمين:
- القسم الأول تمثله أمريكا وبريطانيا وحلفاؤها.
- القسم الثاني تمثله فرنسا وألمانيا وروسيا.
1- أمريكا وبريطانيا جادتين وصادقتين في قولهم بإزالة كافة نظم التدمير الشامل وثقافتها. ولديهم كل القوى التكنولوجية لتنفيذ ذلك ولا يمكن أن تكون هناك أية مساومة على حياتهم وحضارتهم ونظمها وقوانينها. ولا يمكن أن تقبلا أية مساومة أو أية رشوة في تنفيذ هذه السياسة. كل ما هناك وضعوا سلماً للأوليات للتعامل مع هذه النظم وبأساليب مختلفة قد تكون حارة أو باردة. لا خلاف بين الساسة الرسميون والمعارضون على السواء. والذين يراهنون على أقوال المعارضة التكنيكية سيجرون على أنفسهم الكارثة.
2- أما القسم الثاني الذي تمثله فرنسا وروسيا وألمانيا. هم متفقون مع القسم الأول في الهدف الاستراتيجي. ولكنهم مختلفون في المصالح والأسلوب. ونظراً لظروفهم الاقتصادية والحربية والبشرية وثقلهم على الساحة العالمية يتمسكون بشرعية الأمم المتحدة وقوانينها. هذه المؤسسة الدولية التي تجاوزها التاريخ والتي بقيت من مخلفات القرن العشرين. سلاحهم الوحيد الذي بقي قي أيديهم هو حق الفيتو. فإذا كانت الغنيمة مرضية لهم أعطوا موافقتهم. وإذا لم تكن مرضية هددوا باستعمال حق الفيتو.
والأسلوب الثاني هو قبول الرشوة من نظم التدمير الشامل. كون هذه النظم في ورطة وهي تعرف أنها لا تستطيع مجابهة كل هذه الآلة الجهنمية من القسم الأول. وهي تدرك أن هناك فاصل كبير بينها وبين شعوبها ولا يمكن الاعتماد لا على أجهزتها الأمنية ولا على شعوبها في حماية نفسها من الهلاك. والتجربة اليوغسلافية والأفغانية والعراقية برهنت بما لا يدع مجالاً للشك. فكانت النتائج كارثة على هذه النظم ذات التدمير الشامل ولا مجال أمامها سوى تقديم الرشاوي للقسم الثاني الذي تمثله فرنسا وألمانيا وروسيا. وللحقيقة نقول: استطاعت هذه النظم أن تخلق بهذه الرشاوي انشقاق ظاهري ووقتي بين الطرفين. ولكن أمريكا وبريطانيا وحلفاؤها قد تجاوزت الأمم المتحدة ولم تقع في هذا الفخ. إن أمريكا وبريطانيا لا يمكن أن تساوما على قدرها. ولا يمكن أن تقبل الرشوة على الإطلاق. لأن هناك عاملُ هام داخلي بدأ يضغط على أمريكا وبريطانيا وهي سياسة غصن الزيتون وشريعة حقوق الإنسان وإن القيادات السياسية في البلدين ليس بامكانها أن تتجاهل هذه السياسة. لقد طرحنا في مسلسل طريق الحقيقة. وقلنا إن هناك ثلاث سياسات تتصارع على نطاق العالم بأكمله:
- سياسة سكين الجزار، وكانت أمريكا وبريطانيا مبدعة وراعية لها.
- سياسة العصا وكان الإتحاد السوفيتي مبدعاً وراعياً لها.
- سياسة غصن الزيتون وحقوق الإنسان شعوب الكتلة الرأسمالية كانت مبدعة لها ومناضلة من أجلها ولها المستقبل البشري. لقد كانت ضعيفة خلال القرن العشرين . ولكن كانت تتماشى مع منطق التطور التاريخي. وها هي اليوم ومع بداية القرن الحادي والعشرين تدق أبواب كافة الأنظمة السياسية والثقافية في العالم. مما ساعد على ظهورها وقوتها الثورة المعرفية المعلوماتية والأقمار الصناعية والتلفزة والانترنت.
فإذا لم ترضَّ أمريكا وبريطانيا أصحاب هذه السياسة وثقافتها لا تستطيع أي شخصية سياسية أن تنال ثقة الشعب وتفوز بالسلطة. وقد تجابه أمريكا وبريطانيا المصير الذي آل إليه الإتحاد السوفيتي سابقاً.
أما قيما يتعلق بالقسم الثاني فرنسا وألمانيا وروسيا التي تقبل الرشوة من نظم التدمير الشامل سوف تجر على نفسها مشاكل وتجلب إلى مجتمعاتها أمراض خطيرة. ستكون السبب في انهيار نظمها السياسية والقانونية والاجتماعية والثقافية وما مشكلة الحجاب التي ظهرت في فرنسا واحدة من هذه المشاكل والأخطر من هذا أن أوربا أمام هجرة جماعية كبيرة ومع هذه الهجرة ستنتقل كل ثقافة التخلف والأمراض الاجتماعية. إن هذه الهجرة ستفتح المجال أمام ظهور تيارات عنصرية وشوفينية وإرهابية في أوربا، من الصعب أن تجد حلولاً لها. إن الحل الاستراتيجي والوحيد الذي يجب أن تفكر به أوروبا هو بقاء هذا الكم الهائل من المهاجرين في أوطانهم. إن سبب هذه الهجرة الجماعية هو النظم السياسية والثقافية للتدمير الشامل. ولا يمكن توقيف هذه الهجرة ما لم تساعد الغرب بصورة عامة. هذه النظم والشعوب في تغيير استراتيجيتها وثقافتها الشمولية المطلقة وخلق مناخ الحرية كي تتفرغ هذه الشعوب لمداواة جروحها وبناء أوطانها وخلق ظروف التنمية والتطور. وبدون ذلك ستكون هذه الشعوب منبعاً للهجرة والإرهاب.
6- القضية الكردية وعملية التغيير:
هناك الكثيرون الذين يقرؤون طريق الحقيقة، يسألون عن سر أبو إلياس لماذا القضية الكردية؟ وما علاقة القضية الكردية بالوضع في الشرق الأوسط؟
ولكوني إنسان عربي. والأمة العربية لها مشاكلها. فلماذا القضية الكردية؟ وما علاقتها بتطور وتقدم العربي والفارسي والتركي؟
وطريق الحقيقة تجاوب على هذه التساؤلات وتقول: إن هذه النظرة الضيقة تكمن فيها تخلفنا. وهو المرض الخطير الذي أصيب بها ليس العربي فقط بل الفارسي والتركي أيضاً بكل شرائحه السياسية والثقافية وما نعانيه اليوم من الضعف أمام الأخطار الخارجية ومن مشاكل التنمية هو من هذه النظرة الضيقة والبعيدة عن النظرة الاستراتيجية. ولكن كيف ذلك؟ وهل هناك برهان؟
وإني أقول في طريق الحقيقة لهؤلاء وأذكرهم بقول مفكر عظيم كرس حياته لقراءة التاريخ وقال قولاً مأثوراً في التاريخ الحديث وهو ماركس حيث قال: “إن شعباً حراً لا يستعبد شعباً آخر”.
أما من التاريخ القديم ومن تراثنا الإسلامي المجيد قال الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه قولاً مأثوراً سجلها له التاريخ حيث قال: ” متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً “.
إني إنسان عربي أعتز بقوميتي وتاريخي ولغتي وأريد أن أعيش حراً كما ولدتني أمي وأطلب من العالم أن يحترموا حريتي. ولكن السؤال كيف يمكنني أن أطلب من العالم أن يحترموا حريتي ما دمت أنا أنتهك حرية الكردي الذي يعيش معي منذ آلاف السنين. عشنا معاً وحاربنا معاً وأبدعنا ثقافتاً معاً؟ إنني لا يمكن أن أكون حراً ما لم أحترم حرية الآخرين. فعندما أنتهك حرية الكردي فهذا يعني أعطي الحق للآخرين أن ينتهكوا حريتي. ولا أريد هنا أن أسرد أمثلة كثيرة في انتهاك الحرية. وأعتقد أن مثالين يكفي. فلو لم نستعمل الأسلحة الكيماوية ضد الشعب الكردي وألغينا حقه السياسي والثقافي والاقتصادي وعشنا مع بعضنا البعض ضمن حقوق إنسانية متساوية واحترم كل واحد حرية الآخر لما تجرأت أمريكا وبريطانيا في انتهاك حرية وطننا فلو لم تنتهك حرية مواطنينا بواسطة نظم التدمير الشامل لما لجأت المعارضة إلى الاستنجاد بالقوى الخارجية للحصول على الحرية وأداروا ظهرهم للإرادة الوطنية.
إن القضية الكردية قضية محورية وهامة وخطيرة فإذا لم نغير نظرتنا لها ونتعامل معها وفق منطق العصر والتاريخ وسياسة غصن الزيتون وشريعة حقوق الإنسان وإذا لم نغير استراتيجيتنا المبنية على ثقافة التعصب القومي والديني والعشائري والمذهبي سوف ينتظرنا مستقبل غامض وأسود.☻
7- كلمات ختامية لا بد منها:
1- أخي العربي والفارسي والتركي والكردي: إن طوفان نوح جديد الذي تنبأت به في دوحة الحرية والذي نشرته للعالم كله قد بدأ في الشرق الأوسط.
2- إن كل النداءات التي أطلقتها من خلال مسلسل طريق الحقيقة للتغيير لم تجد طريقها للتعامل مع الواقع.
3- إن أكثرية التحليلات التي يقدمها لنا المفكرون والمحللون السياسيون بعيدة عن الحقيقة ومضللة وغير صائبة في قراءتها للتاريخ.
4- القراءة الوحيدة الصائبة من وجهة نظري للتاريخ هي قراءة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح حيث قال: (( إذا لم نحلق لأنفسنا بأنفسنا فسيأتي غيرنا ليحلقوا لنا)). وتلك هي الحقيقة.
لقد طالت حلاقتنا كثيراً وأصبحنا بحاجة لخبراء للحلاقة السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية. تحول شكلنا إلى شكل أهل الكهف في الشرق الأوسط. ولا تستطيع البشرية التقدمية أن تقبلنا بهذا الشكل وسياسة غصن الزيتون وشريعة حقوق الإنسان ترفضنا بهذا الشكل.
إن النظم السياسية والثقافية للتدمير الشامل قضت على كل هؤلاء الخبراء من الحلاقين ولم يعد أمام شعوبنا سوى الالتجاء إلى الشيطان ليحلق لنا. وتلك هي المصيبة الكبرى.
ولا بد من التذكير بالحقيقة التالية: إن كل فرد من شعوبنا المقهورة يشعر بالمرارة ولا أحد في الشرق الأوسط لا العربي ولا الفارسي ولا التركي ولا الكردي يريد أن يسلم رأسه ليحلقها لا للأمريكي ولا للبريطاني. ولا للغربي بصورة عامة على الإطلاق.
إنهم مفعمون بحبهم لأوطانهم ولكن غريزة الحياة أقوى من الموت فالنظم السياسية والثقافية للتدمير الشامل في الشرق الأوسط التي وضعت شعوبنا أما خيار الموت مجبرة على تسليم رأسها للشيطان كي تنقذ نفسها من الموت وأعتقد أن المسألة لا تحتاج إلى دليل وبرهان فالقبور الجماعية التي ظهرت في يوغسلافية وأفغانستان والعراق والتي ستظهر فيما بعد خيرُ دليل وبرهان وشاهد على ما نقول. فلو لم تأت أمريكا وبريطانيا كحلاقين لهذه النظم السياسية والثقافية للتدمير الشامل لانتهت هذه الشعوب من قاموس البشرية. إنها الحقيقة المرة التي يجب أن نقولها بصراحة: ترى هل يتعظ الذين ما زالوا يتعاملون مع الواقع بعقلية القرن العشرين؟ إن شعوب الشرق الأوسط تصرخ ليلاً ونهاراً: نريد الحياة ولا نريد الموت. ومع ذلك مسلسل الموت دائم.
إن أمريكا وبريطانيا وحلفاؤها صادقون فيما يقولون لا يبحثون عن أسلحة التدمير الشامل بل يبحثون عن أنظمة التدمير الشامل وثقافة التدمير الشامل.
5- لقد وضعنا التاريخ أمام أحد خيارين:
1- إما أن نحلق أنفسنا بأنفسنا ونحافظ على الإرادة الوطنية وحرية المواطن معاً.
2- وإما أن تأتي أمريكا وبريطانيا ليحلقوا لنا ويسلبوا إرادتنا الوطنية ويعطوا الحرية لمواطنينا.
6- ترى إلى متى ستبقى شعوب الشرق الأوسط بحاجة إلى حلاقين من الخارج ليأتوا وليحلقوا لنا. هل هو قدر محتوم ومكتوب على جبيننا؟
7- متى يدرك مثقفونا وسياسيونَّ ومفكرونا أن لكل زمان موضة من الحلاقة؟ ومتى ندرك أن الإنسان لا يمكن أن يكون له حلاقة واحدة صالحة لكل زمان ومكان.
8- أين تكمن الحقيقة هل في فهمنا للسياسة أم في الثقافة أم في الاقتصاد أم في المعرفة؟
وإلى اللقاء في الحلقة رقم – 12-
حلب في محمد تومة
5/3/2004مـ أبو إلياس
أبو إلياس – طريق الحقيقة رقم 31
طريق الحقيقة رقم 31 موضوع الحلقة: هل امريكا هي القطب الوحيد الغير منازع لمئة سنة قادمة. ول…